«سبت دموي» في بغداد بنكهة انتخابية
«شلع قلع»... اقتباس من «الليالي الحمراء» يهدد السياسة العراقية
شهدت بغداد، أمس، واحدة من أكبر المظاهرات التي تشارك فيها جماهير الحزب الشيوعي مع المنتمين للتيار الصدري، وسقط خلالها 7 قتلى وأصيب العشرات، أثناء تفريق المتظاهرين الذين عبروا «دجلة» محاولين الاقتراب من «المنطقة الخضراء» حيث مقرات الحكومة والسفارات المهمة، رغم أن زعيم التيار مقتدى الصدر، الذي دعا إلى هذه المظاهرة، شدد على عدم دخول تلك المنطقة.وتأتي هذه الاحتجاجات، التي قد تتحول إلى اعتصام، تحت مطلب جديد هو تغيير أعضاء اللجنة العليا التي تتولى تنظيم الانتخابات وتواجه اتهامات بأنها «منحازة»، والمطالبة بقانون جديد للاقتراع النيابي والبلدي المقبلين.وتعد هذه المظاهرات مواجهة قوية مع جناح نوري المالكي رئيس الوزراء السابق المقرب إلى طهران والميليشيات الشيعية، والذي يحاول إطاحة جناح رئيس الحكومة الحالي حيدر العبادي، مع أنهما من الحزب ذاته.
ويختصر الصدر الهدف الآن بـتغيير الوجوه بأسلوب «شلع قلع»، أي بنحو شامل يستبعد جميع القيادات السياسية التقليدية، والإتيان بشخصيات جديدة وتكنوقراط.وتتردد هذه العبارة المقتبسة من اللغة المحلية الموغلة في الشعبية طوال سنة داخل الجدل السياسي بأعلى مستوياته، ويواجه الخبراء العراقيون صعوبة في ترجمة معناها للصحافيين الأجانب المهووسين بفكرتها. ومن الغريب أن الصدر كرجل دين محافظ إلى حد كبير، يستخدم هذه الجملة في التعبير عن رؤيته السياسية، رغم دلالتها الشعبية القوية هنا على الاقتلاع والاستئصال للطبقة المتهمة بالفساد، إذ إن «شلع قلع» مقتبسة مباشرة من النوادي الليلية في العراق، حيث يقوم الفنانون بتحية الضيوف المهمين، وإضافة العبارة للتدليل على أنهم يؤدون الاحترام لجميع الضيوف المرافقين بنحو شامل.وليس من السهل فهم موقف الصدر الذي قد يعود لاقتحام البرلمان مرة أخرى كسلاح وحيد للضغط من أجل المطالب المذكورة، فهو يريد استبدالاً شاملاً للوجوه السياسية التي تشغل مواقع عليا، لكنه في الوقت نفسه لا يخفي دعمه لرئيس الوزراء الحالي، ويرجح أن يتحالف معه انتخابياً، ولذلك فإن بعض الصدريين يفسرون الأمر على أن زعيمهم يطالب بتغيير الوجوه التي ساهمت في تخريب البلاد، في حين يعد العبادي، من وجهة نظرهم، من الوجوه التي تعمل على تخفيف ويلات الحرب والدمار وإصلاح أخطاء المرحلة السابقة.ونجح الصدر طوال أكثر من سنة في دعم إصلاحات العبادي، إلى درجة أن الأخير تشجّع وأقال نوابه ونواب رئيس الجمهورية صيف 2015، لكن المحكمة العليا المنحازة للمالكي تقليدياً أعادت الأخير إلى منصب نائب رئيس الجمهورية أخيراً، ومعه بالطبع النائبان الآخران إياد علاوي وأسامة النجيفي.ومع بوادر الصراع الانتخابي المبكر، يبدو المالكي عازماً على العودة إلى مسك الحكومة التي هيمن عليها بين 2006 2014 ، مدعوماً بالفصائل المسلحة القريبة من طهران، وبدأ يخلق أزمات عدة أمام حكومة العبادي الذي قد لا يجد وسائل كثيرة تساعده سوى دعم واشنطن ودعم الصدر العدو الأبرز لواشنطن في العراق ولو شكلياً!إلا أن العبادي وهو يحظى كذلك بحماية محدودة من المرجع الديني الأعلى علي السيستاني، سيظل قلقاً من «مفاجآت الصدر» الذي يبتكر صيغاً غير مألوفة ومندفعة أحياناً في معارضته للجناح الإيراني، وتخشى الحكومة تكرار أعمال العنف أثناء الاحتجاجات الواسعة بسبب صعوبة السيطرة على جمهور هائج في قلب العاصمة بغداد التي تمر بظروف أمنية مقلقة وتفجيرات انتحارية متواصلة.