في ظل العجوزات المالية التي تعانيها الميزانية العامة جراء انخفاض أسعار النفط خلال السنوات الماضية، تسعى الحكومة إلى خلق موارد أخرى للدخل تقلل الاعتماد على النفط كمصدر أساسي، وفي سبيل ذلك عملت على تطبيق سياسة جديدة لأملاك الدولة عبر إعادة تسعيرها، للاستفادة من زيادة أسعارها.

ونفذت الحكومة، ممثلة في هيئة مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص خلال الفترة الماضية، سياستها عبر إعادة طرح مناقصات المشاريع والمباني المملوكة للدولة مع القطاع الخاص، والتي تتم تحت النظام القديم «B.O.T»، إذ انتهت مدة بعض عقود تلك المشاريع، وقارب عدد آخر على الانتهاء. وانتجهت الحكومة مبدأ المزايدة للسعر الأعلى للحصول على حق إدارة المشروع، وهو ما نتج عنه تضخم كبير في أسعار المبلغ السنوي الذي سيدفعه المستثمر الجديد للحكومة. ويرى خبراء عقاريون، استطلعت «الجريدة» آراءهم حول هذه السياسة، أن ارتفاع قيمة المبلغ السنوي الذي يدفعه المستثمر له عدة تأثيرات سلبية، أهمها قيام الأخير برفع أسعار الإيجارات والخدمات المقدمة عبر المشروع إلى جانب عدم قدرته على تطويره، وهو ما سيؤثر في النهاية على المستهلك بشكل مباشر. ودعا الخبراء الحكومة إلى التخلي عن تلك السياسة التي ستنعكس سلبا على المستهلك أو المستخدم، لافتين الى أن الكثير من القوانين الاقتصادية بحاجة الى مراجعة وتطوير، وذلك لتنشيط الدورة الاقتصادية في البلاد، إضافة إلى مواكبة التطورات التجارية في العالم.

Ad

بداية، قال الرئيس التنفيذي في شركة عقارات الكويت عماد العيسى إن الطريقة التي تتخذها الحكومة في تجديد عقود المباني المملوكة للدولة مع القطاع الخاص لها العديد من السلبيات، ومن الطبيعي أن تؤثر على اداء الشركات التي ستضطر الى رفع الايجارات وأسعار مواقف السيارات الخاصة بالمشروع، وبالتالي سيتحملها المستهلك في نهاية المطاف.

وأوضح العيسى ان الحكومة لديها عدد من المشاريع مع القطاع الخاص بنظام الـB.O.T، وتطرح تلك المشاريع التي انتهت مدتها في مزادات او مناقصات، وخلال الفترات الماضية اتخذت الحكومة مبدأ السعر الاعلى، وهو ما يعد نظاما غير صحي له انعكاسات سلبية كبيرة.

كفالة بنكية

وأشار العيسى إلى ان الحكومة تأخذ كفالة بنكية بمبالغ كبيرة جدا على الشركة التي يتم ترسية المناقصة عليها، وبالتالي ستتجمد تلك المبالغ ولا تستطيع الشركة استخدامها او استثمارها، ويحق للحكومة تسييل تلك الكفالة إذا اخلّت الشركة بالعقد المبرم معها.

وأفاد بأن هناك شركات ملتزمة بالقرارات والقوانين، وتدير املاك الدولة منذ سبعينيات او ثمانينيات القرن الماضي، وقامت تطوير المباني طوال تلك السنوات، ولم ينتج عنها انها اخلت بالعقود المبرمة، ومن الضروري ان تحافظ الحكومة على هذه الشركات.

وذكر أن الحكومة عليها التخلي عن تلك السياسة التي ستنعكس سلبا على المستهلك او المستخدم، لافتا الى ان العائد الاستثماري في مواقف السيارات حاليا غير مجز، إذ إن جزءا كبيرا من الايرادات يذهب الى الحكومة، فضلا عن تكاليف الصيانة والتطوير ورواتب الموظفين وغيرها من المصاريف المتعلقة بالاستثمار.

وأضاف: "لابد ان تكون هناك مراجعة شاملة لجميع القرارات والقوانين المتعلقة بالاقتصاد المحلي، لأن هناك العديد من القرارات تؤثر سلبا على شركات القطاع الخاص، وبالتالي سينعكس هذا التأثير على المستهلك".

التدرج في الزيادة

ومن جانبه، أكد مستشار شركة ارزاق كابيتال صلاح السلطان ان السياسات التي تتخذها الحكومة، لها انعكسات سلبية على المواطن والمستهلك بشكل عام، وتفتقد الى سياسة التدرج في تطبيق الزيادات المالية سواء كانت على الشركات او على الافراد.

وأضاف السلطان: "نحن مع الحكومة في سياسة تقليل الاعتماد على النفط، وخلق ايرادات اخرى، ولكن يجب ان يتم تطبيق تلك السياسة بالتدرج حتى لا يكون لها اثار سلبية على شركات القطاع الخاص او على الافراد".

ولفت إلى ان الحكومة لديها عدد من المشاريع المشتركة مع القطاع الخاص، والتي تمت عبر نظام الـB.O.T، وانتهت مدة بعض تلك المشاريع وتم طرحها بنظام المناقصات، والشركة التي تدفع اكثر تأخذ الحق بإدارة المشروع، وهو ما يضر بالمستهلك في النهاية.

وأفاد بأنه من الافضل ان تتدرج الحكومة في زيادة المبالغ المالية على الشركات التي تدير مبانيها، فمثلا تتم زيادة 2.5 في المئة سنويا، وذلك حتى لا يحدث تضخم في الأسعار، وتجنبا لارتفاعها بشكل مفاجئ سواء على المستأجرين أو المستهلكين.

حالة السوق

ودعا السلطان الحكومة إلى دراسة حالة السوق، وبناء على تلك الدراسة تضع الرسوم تدريجيا، حتى لا تخلق سلبيات اخرى، ومنها التضخم وارتفاع الاسعار، وعزوف الشركات عن الدخول في مثل تلك المشاريع.

وذكر أن الكثير من القوانين الاقتصادية بحاجة الى مراجعة وتطوير، وذلك لتنشيط الدورة الاقتصادية في البلاد، إضافة إلى مواكبة التطورات التجارية في العالم، وتنفيذ الرغبة الأميرية بجعل الكويت مركزاً ماليا وتجاريا، لافتا الى ان نظام الـB.O.T يجب تعديله، اذ ان الكثير من الشركات عزفت عن الاستثمار به، وذلك بسبب شروطه التي لا تناسبها.

وأشار الى ان هناك بطئا في عملية تنفيذ المشاريع التنموية، ويجب على الحكومة ان تجعل من القطاع الخاص شريكا لها في العملية التنموية، والمساهمة في وضع بصماته في حل الكثير من الازمات التي تعانيها البلاد، وعلى سبيل المثال الازمة الاسكانية.

رؤية اقتصادية

من ناحيته، قال المدير العام السابق للشركة الكويتية للمقاصة العقارية طارق العتيقي إن الكويت تفتقد إلى سياسة ورؤية اقتصادية واضحة، مما تسبب في الكثير من المشاكل للقطاع الخاص، وقلص دوره في المساهمة ببناء الدولة.

وأشار العتيقي الى ان مفهوم الـB.O.T في الكويت ناقص ومعيب في حق الدولة، ويجب عليها ان تنأى بنفسها عن الدخول في المشاكل التي تحدث بسببه، مشددا على ضرورة ان يقتصر التعامل بهذا النظام على المشاريع العملاقة مثل "الكهرباء"، لا على المجمعات التجارية والأسواق.

وذكر أن الدولة تحتكر الأراضي، والمرافق الحيوية والتراثية، وتنافس القطاع الخاص على المشاريع، وهو ما سينعكس سلبا على أداء الشركات والمشاريع، مبينا أن دور الدولة يجب أن يكون التنظيم والرقابة لا التأجير.

وأفاد بأن هناك عددا من عقود الـB.O.T مع القطاع الخاص انتهت مدتها القانونية، وطرحتها الحكومة عبر مزاد علني أو مناقصة، وبالتالي ستكون هناك منافسة بين المستثمرين، وسترتفع الأسعار، وكذلك إيرادات الدولة من هذه المباني.

عقود أملاك الدولة

وأضاف: من الطبيعي أن يرفع المستثمر الجديد اسعار الايجارات والخدمات المقدمة وأبرزها مواقف السيارات، ومن ثم سيتحمل المستأجر جميع تلك الزيادات.

وأضاف ان معظم المشاريع التي تتم عبر نظام الـ"B.O.T" حيوية، ومنها ما هو تراثي ويمثل واجهة للبلد، وهنا لابد من اعادة النظر في عقود املاك الدولة من اجل تحسين المشاريع المستقبلية وتطوير جميع المنافع بما يحقق تطوير بيئة الأعمال.

وذكر أنه يمكن للحكومة أن تسند عقود املاك الدولة الى احدى شركات القطاع الخاص، على أن تكون جهة منصفة، وذلك لوضع القيمة الإيجارية العادلة للمرافق والمشاريع التي تطرحها الحكومة، كي لا يتم سلب حق الدولة من تلك الإيرادات ولا يتأثر المستثمر أو المستهلك.