رياح وأوتاد: أرباح تجارية من دعم الدولة
جميع الأمم المتقدمة تحصل معظم ميزانياتها من التجار، وكذلك تورد معظم أموال الزكاة في الإسلام من التجار، أما محاولة تحميل الزيادات على المستهلكين فعلاجه الرقابة وتفعيل قانون حماية المنافسة المعطل منذ عشر سنوات، وقانون حماية المستهلك المعطل منذ أربع سنوات.
طالب بعض الإخوة أعضاء مجلس الأمة الحكومة بإيقاف وإلغاء قانون زيادة تعرفة الكهرباء الذي أقره مجلس الأمة الماضي، وهددوا باستجواب رئيس الوزراء إذا لم يوقف القانون، وهذا طلب غريب من عدة وجوه: الأول: أنه لا يجوز لرئيس الوزراء ولا للحكومة مجتمعة أن توقف تنفيذ القوانين. والثاني: أن أعضاء مجلس الأمة يستطيعون تعديل القوانين وإلغاءها من خلال المجلس ووفق سلطاتهم الدستورية.
والثالث: أن هذه الزيادة عبارة عن تقليل دعم الدولة للقطاع التجاري. والرابع: أن القانون لا يشمل السكن الخاص، وهو محل رعاية واهتمام النواب بالدرجة الأولى. والخامس: أن الزيادة ستكون طفيفة ومتدرجة على القطاعين التجاري والاستثماري، كما أعلن ذلك وكيل وزارة الكهرباء في لقاء تلفزيوني، ونحن نعلم أن فاتورة الكهرباء لمجمع تجاري ضخم تفوق فاتورة منطقة سكنية كاملة. أما الإخوة المطالبون بإيقاف القانون فبرروا مطلبهم بأن الزيادة وإن كانت على القطاعين التجاري والاستثماري فإن التجار سيحصلون قيمة هذه الزيادة من المواطنين عن طريق رفع قيمة السلع والخدمات، وهذا التبرير غير سليم من عدة وجوه، الأول أن هذا التبرير قد يستخدم ضد أي إصلاح اقتصادي في المستقبل، مثل فرض قانون الزكاة أو الضريبة على أرباح التجار أو زيادة القيم الإيجارية على أملاك الدولة، أو زيادة الرسوم على الوافدين مثل الإقامة أو الصحة، وهذا التبرير سيؤدي إلى تعطيل لإيرادات قد تكون من أهم إيرادات الدولة في المستقبل، خصوصاً إذا استمر العجز أو زاد لأن التاجر سيحمل المستهلك (حسب نظرهم) كل هذه الزيادات. وحتى إذا أراد التاجر تحميل المستهلك هذه الزيادة فإن المستهلك سيلجأ إلى السلع والخدمات الأرخص وفق آليات المنافسة أو الشراء من الخارج، فكلنا نلاحظ أن شراء كثير من الماركات والسلع المعروفة من الخارج أرخص من أسواقنا رغم الضرائب عندهم وغلاء الإيجارات وأجور العاملين أيضا، بالإضافة إلى أن الزيادة الحقيقية، لا المصطنعة، لو تمت لتوزعت على ملايين المستهلكين، وكان نصيب الفرد منها طفيفا ولا يذكر. وأحيانا يحتج المطالبون بوجود الهدر والفساد في البلاد لعدم فرض أي زيادات على التجار مستشهدين بمعلومات وأرقام من الميزانية العامة، وهذا أيضا احتجاج في غير محله، إذ إنهم مطالبون بوقف الهدر والتصدي للفساد في كل الأحوال وبكل قوة، خصوصاً أنهم يملكون كل الأدوات البرلمانية والدعم الشعبي، ولا عذر لهم خصوصاً بعد صدور كل هذه القوانين التي تحاصر الفساد إذا سكتوا عنه، وصوتوا على الميزانية بما فيها من فساد وهدر، وهم يذكرونه في تصريحاتهم. جميع الأمم المتقدمة تحصل معظم ميزانياتها من التجار، وكذلك تورد معظم أموال الزكاة في الإسلام من التجار، أما محاولة تحميل الزيادات على المستهلكين فعلاجه الرقابة وتفعيل قانون حماية المنافسة المعطل منذ عشر سنوات، وقانون حماية المستهلك المعطل منذ أربع سنوات، لذلك فإن على الحكومة والمجلس العمل على أن تؤخذ الزيادة من هامش الربح لا المستهلك، أما إذا استمر العجز لسنوات قادمة فسيكون المواطن وجيبه هما الضحية، وعندها لن تكون الزيادات طفيفة.