تحولات متوقعة
باستثناء موقفه من إيران، الذي لا يزال ثابتاً مع المزيد من التصعيد، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب تراجع عن معظم ما كان قد قاله خلال معركة الانتخابات الرئاسية "والتراجع عن الخطأ فضيلة"، ولعل ما يهمنا كعرب في هذا المجال هو أن هذا الرجل، الذي هيمن على الإعلام العالمي كله، وهذا يحسب له لا عليه، قد فاجأ حتى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي من المفترض أن يكون في واشنطن بعد أربعة أيام في أول زيارة له للعاصمة الأميركية في عهد الرئيس الجديد، بقوله في حديث لصحيفة إسرائيلية: "يجب على إسرائيل أن تنحاز إلى المنطق في تصرفاتها... إن البناء في المستوطنات يقلص مساحة الأراضي المخصصة للدولة الفلسطينية التي يتفاوض عليها الجانبان منذ عقدين".وأضاف ترامب بوضوح لا لبس فيه: "أود أن أرى إسرائيل تتصرف بصورة منطقية في عملية السلام... وهذا لا بد أن يتم بعد هذه السنوات الطويلة... وربما ستكون هناك فرص لتحقيق سلام أكبر... سلام إسرائيلي- فلسطيني. نحن نتحدث عن مساحة محدودة... وحين تؤخذ أراضٍ للمستوطنات تتبقى مساحة أقل... لا أعتقد أن البناء في المستوطنات يخدم السلام"، وبخصوص نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس، قال ترامب: "أنا أدرس الموضوع، ولنرَ ما سيحدث... إن هذا ليس سهلاً، أنا أفكر فيه بشكل جديٍّ جداً".
وهذا التحول في المواقف يجب ألا يعتبر مفاجئاً، والمثل يقول: "حديث السرايا يختلف عن حديث القرايا"، وترامب بعدما أصبح في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض بات يتصرف كرجل مسؤول وكرئيس لأهم وأكبر دولة في العالم، وهذا من المفترض أنه ليس مستغرباً، خصوصاً أن كبار المحيطين به يعتبرون، خلافاً لقناعات باراك أوباما، أن الشرق الأوسط لا يزال منطقة مصالح استراتيجية- حيوية للولايات المتحدة، ولهذا فإن تأييد أميركا لإسرائيل يجب ألا يعني إدارة الظهر للعرب الذين مازالوا يواصلون الإصرار على أن قضية فلسطين هي قضيتهم الأساسية والأولى، وخصوصاً أن هذه المنطقة الشرق أوسطية تشهد كل هذا الذي تشهده الآن، إضافة إلى أن بها تمدداً روسياً وإيرانياً لا بد من وقفه ووضع حدٍّ له.وهكذا فإن ترامب بعد انتقاله من ميادين معركة الانتخابات الرئاسية إلى موقع المسؤولية الأولى في دولة تواجه تحديات فعلية في هذه المنطقة الاستراتيجية، أي منطقة الشرق الأوسط، كان عليه أن يتصرف بطريقة مختلفة، ولذلك فإنه استبق زيارة نتنياهو لواشنطن بهذه التصريحات الواضحة كل الوضوح، والتي اعتبر فيها أن التوسع الاستيطاني الإسرائيلي لا يخدم السلام، وأن نقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة ليس أمر سهلاً.ولذلك فعلى العرب، إن لم يكن كلهم فمعظمهم، أن يواجهوا هذا التغيير في مواقف ترامب على أساس أنه صديق، وعلينا أن نواجه هذه الخطوة بعشرين خطوة وأكثر، والمهم هنا هو أننا قد تخلصنا من "ميوعة" باراك أوباما السياسية ومن مواقفه الرمادية... وهنا فإنه لا بد من دعم الرئيس الأميركي الجديد أولاً في التخلص من اتفاقية "النووي" التي أبرمها الرئيس السابق مع طهران، وثانياً في إنهاء تدخل "أصدقائنا"! الروس وجيراننا "الإيرانيين" في الشؤون الداخلية العربية، وبخاصة التدخل العسكري الذي بات بالنسبة للعراق وسورية يشكل احتلالاً بكل معنى كلمة الاحتلال!