هل حلف شمال الأطلسي مستعد حقاً للحرب؟
لم تُضَف قدرات الدول الأعضاء الجدد في الناتو إلى «سجلات القدرات»، بل تُركت مع البنية التحتية خلال زمن الشيوعية، ولكن منذ قمة ويلز عام 2014، عاد الحلف إلى جمع المعلومات الجديدة عن قدرات أعضائه، ويؤكد المسؤول أن الناتو يحرز تقدماً نحو إكمال هذه السجلات.
عندما كان يورغن بورنمان ضابطاً صغيراً في الجيش الألماني في ألمانيا الغربية كان يمضي أشهراً عدة كل سنة في تدريب وحدته على الخروج من القاعدة والانتقال إلى مناطق صراع محتملة قرب الحدود بين الألمانيتين الغربية والشرقية، ولم تشكّل وحدته استثناء، حيث يذكر إيان بريجنسكي، وكيل وزير الدفاع خلال عهد جورج بوش الابن: "كان حلف شمال الأطلسي (الناتو) يخوض باستمرار تدريبات، مطوّراً نشر 50 ألف جندي عبر الأطلسي والانتقال عبر أوروبا، ولم تشكّل هذه التدريبات استعراضاً، بل حرصت أيضاً على إبقاء القوات في حالة استعداد دائمة".في المقابل تبدو حركات جنود الناتو اليوم متواضعة، فقد تراجعت وتيرة التدريبات، التي باتت تشمل غالباً قوات بحجم لواء، أي نحو خمسة آلاف جندي في كل منها.بما أن توقُّع مناطق القتال أضحى راهناً أكثر تعقيداً مقارنةً بزمن الحرب الباردة، فهذا يُصعب تحديد الأماكن المناسبة لنشر العتاد مسبقاً، فيشير أحد مسؤولي الناتو: "لا نعلم المنطقة التي سنحتاج فيها إلى هذه العتاد، أما في الحرب الباردة، فكنا نعرف يقيناً الأمكان التي ستنشأ فيها حاجة إليها".
علاوة على ذلك علِم قادة الناتو خلال الحرب الباردة خصائص كل جسر، وسكة حديد، وطريق، ونفق، ومطار، وميناء في مناطق الحلف، وكان بإمكانهم بسهولة الاستعانة بالمعلومات في "سجلات القدرات" التابعة للناتو، علماً أن هذه السجلات شكّلت موسوعة أُعدّت بدقة وفصّلت كل البنى التحتية التي قد يستعين بها الجيش، "لكننا أهملنا راهناً سجلات القدرات تلك"، حسبما أخبرني أحد مسؤولي الناتو، ونتيجة لذلك يملك القادة اليوم معلومات غير مكتملة عن البنية التحتية التي يحتاجون إليها لنقل جنودهم.صحيح أن الجسور وسكك الحديد قد تبدو ثانوية، إلا أن المسائل اللوجستية تشكّل عماد أي تدريب عسكري وكل عمل عسكري. لم تُضَف قدرات الدول الأعضاء الجدد في الناتو إلى "سجلات القدرات"، بل تُركت مع البنية التحتية خلال زمن الشيوعية، ولكن منذ قمة ويلز عام 2014، عاد الحلف إلى جمع المعلومات الجديدة عن قدرات أعضائه، ويؤكد المسؤول أن الناتو يحرز تقدماً نحو إكمال هذه السجلات.في الأشهر الأخيرة حقق الناتو تقدماً بالغ الأهمية في مجال آخر: عبور الحدود.حتى السنة الماضية ما كانت دول أعضاء كثيرة في الناتو قد أصدرت تصريحات تلقائية لجنود التحالف التي تدخل أراضيها، لكن مشكلة هذه التصريحات قد حُلّت اليوم. رغم ذلك لا يزال الناتو أقل سرعة بكثير مقارنة بروسيا، التي تستطيع نشر عشرات آلاف الجنود في غضون بضعة أيام، فضلاً عن أنها تتمتع بأفضلية بارزة لأنها تملك قواعد عسكرية كبيرة بالقرب من ثلاث دول أعضاء في الناتو: إستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا. في المقابل تتمركز أفضل وحدات قوات الناتو المسلحة وأكبرها في أوروبا الغربية، حيث ما زالت الولايات المتحدة تحتفظ بوجود عسكري مهم. وهنا تؤدي سرعة الناتو في اتخاذ القرارات دوراً بارزاً، فبعد الحرب الباردة انتقلت صلاحيات اتخاذ القرارات بشأن تدريبات الناتو من القادة العسكريين إلى مجلس شمال الأطلسي المدني، الذي يعمل بسرعة بعيدة كل البعد عن السرعة العسكرية، ويعي القادة العسكريون منذ زمن المشكلة التي تسببها عملية اتخاذ القرارات البطيئة، إلا أن صانعي القرارات السياسيين يخبئون رؤوسهم في الرمل، ويوضح بريجنسكي: "بدأ الوضع يتبدل أخيراً، ولكن هل يتغير بالسرعة الكافية؟". بالإضافة إلى ذلك ما حجم قوات الناتو التي يجب أن تتحرك في أوروبا مع دباباتها وعتادها بغية البقاء في جاهزية تامة؟ وبأي وتيرة؟ لا شك أن الانتقال من خمسة آلاف جندي إلى خمسين ألفاً يتدربون باستمرار يُشكّل مهمة شبه مستحيلة على الأمد القصير، "ولا شك أن روسيا ستُجري تدريبات أوسع كخطوة تصعيدية"، حسبما يحذر بورنمان، إلا أن هذه السنة ستقدّم فرصة ممتازة تتيح للناتو استعراض عضلاته وسرعته. في شهر سبتمبر ستخوض روسيا مجدداً تدريب Zapad، هذه المرة في غرب البلد، إذ شمل هذا التدريب العام الماضي 120 ألف جندي، فماذا لو أجرى الناتو تدريباً يعادله حجماً في الفترة عينها؟* إليزابيث برو* «ناشيونال إنترست»