العنف ضد «الليبراليين» في البصرة يفضح صراع الأحزاب
سلسلة من القلاقل والحوادث الأمنية تتزامن وتتوالى منذ نحو أسبوعين، لتقطع هدوءاً نسبياً في البصرة، ميناء العراق الوحيد على الخليج العربي، والذي نجح إلى حد ما في استقطاب استثمارات نفطية وتجارية وإسكانية غيّرت قليلاً من وجه المدينة الغائص في أربعة عقود من الحرب وويلاتها.وتحاول البصرة، التي عرفت بانفتاحها ثقافياً واجتماعياً طوال القرن العشرين وخرجت منها مدارس الشعر والغناء والفنون التشكيلية والعمرانية، التخفيف من موجة تشدد ديني ضربتها إبان تغيير النظام السابق عام 2003، ويتحدى شباب ومستثمرون طوق الراديكالية ليؤسسوا تجمعات ثقافية ومبادرات للمجتمع تعيد الاعتبار لليبراليين الباحثين عن الحريات وطريقة الحياة الحديثة، لكن سلسلة لم تنقطع من الحوادث الأخيرة بدت وكأنها رد من الفصائل الدينية المتشددة على موجة الانفتاح والحراك الثقافي والاجتماعي.ويعتقد مراقبون مطلعون أن الأمر أكبر من مجرد رد فعل متشدد من شباب الفصائل الإسلامية، ويحيلونه إلى «استعراض قوة» يلجأ إليه أكثر من 20 فصيلاً رئيسياً تخوض الصراع على النفوذ في أغنى مدن البلاد، وخصوصاً مع اقتراب انتخابات نيابية وأخرى بلدية ستعمل على تسييس مختلف الملفات، ابتداء من الصراع على الاستثمار في الكازينوهات والأسواق الحديثة والفنادق، وليس انتهاء بملفات العلاقة مع الكويت والسعودية والولايات المتحدة التي تشهد مزايدات يومية وتشوش الرأي العام.
وخلال فبراير الجاري تعرضت كازينوهات وأماكن ترفيهية ومتاجر تبيع الكحول إلى سلسلة هجمات لم تتوقف، وجرى تحطيم محلات تبيع الموسيقى، فضلاً عن اغتيال شخصيات ميليشياوية في صراع يبدو بين الفصائل نفسها، ولا يستثنى من هذه التحركات دخول المتشددين أنفسهم وحلفائهم، خصوصاً من جناح نوري المالكي رئيس الوزراء السابق، على خط الاتفاقيات الحكومية والدولية القديمة حول إدارة الملاحة في خور عبدالله بين شواطئ البصرة والساحل الكويتي.ويحذر ساسة بارزون، بينهم رئيس الحكومة حيدر العبادي نفسه، من وجود «مخطط صراع» يستهدف الاستقرار ومشاغلة الحكومة عن المعارك الكبرى في الموصل شمالاً، ويرد آخرون بأن كل الأطراف تستعرض قوتها في البصرة، لكنها لن تجرؤ على فتح مواجهة كبيرة، لأن المدينة تعد مصدر الدخل الوحيد للعراق حالياً بنفطها وتجارتها، ولن يعني تهديد الأعمال والمصالح فيها سوى خسارة للجميع من كردستان حتى الفاو.وفي المقابل، يرد غيرهم بأن انهيار أسواق النفط جعل معظم الأطراف السياسية بحاجة إلى المال، إذ إن العوائد الحالية لم تعد تكفي وسط سياسات التقشف وجمود المقاولات الحكومية شبه التام، وهو أمر جعل الأحزاب والميليشيات تواجه نقصاً في «غنائمها» منذ نحو عامين، ما يعني أن الأطراف التي تزداد حاجتها إلى المال مستعدة لوقف المصالح بالقوة بهدف «مضاعفة» حصصها التي باتت شحيحة.واختفت المظاهر المسلحة في عموم العراق بعد خطة أميركية لاستعادة الأمن نفذت بين 2007 و2009، لكن ظهور تنظيم داعش عام 2014 شجع إعلان عشرات الفصائل المحلية التي تطوعت للقتال مع الحكومة وإسناد الجيش المنهار يومذاك، لتتحول لاحقاً إلى واقع أمني جديد يتقاسم السلاح والسلطة مع أجهزة الدولة، وباتت بعض هذه الفصائل تمتلك أسلحة متطورة غنمتها في الأغلب من معاركها مع التنظيم، وحظيت برعاية إيرانية، خصوصاً في شؤون التدريب، وقاتلت في جبهة سورية، ثم عادت بطموح المشاركة في الانتخابات مطالبة الجمهور بـ«رد الجميل»، ما يتوقع أن يشكل مواجهة غير مسبوقة خلال الانتخابات التي ستجري في فترة لم تحدد بعد بين خريف العام الحالي وصيف العام المقبل.