مع الغموض الذي يلف أوروبا على ثلاث جبهات بسبب خروج بريطانيا، والعلاقات مع روسيا، ومستقبل التحالف عبر الأطلسي، من السهل أن ننسى غموضاً مماثلاً في أجزاء أخرى من العالم، مع أن تأثيراته قد تكون أسرع وأكثر فتكاً، ولا شك أن إطلاق كوريا الشمالية صاروخاً إلى منتصف البحر باتجاه اليابان، في الوقت عينه الذي يزور فيه رئيس الوزراء الياباني الرئيس الأميركي الجديد، خير مثال على ذلك، فيجب ألا نصف كوريا الشمالية مطلقاً بـ"مملكة الناسك" لأن كيم يونغ أون يراقب بدقة ما يدور من حوله ويتفاعل معه.بعد أن أمضيتُ أسبوعين في طوكيو خرجت بانطباعَين محددَين: الأول النطاق العالمي للحيرة التي نشرها انتصار ترامب غير المتوقع، والثاني إقدام شينزو آبي على ما يبدو في دبلوماسية العالم الجدية خطراً كبيراً بغية حماية المصالح اليابانية ومدى النجاح الذي حققته حساباته حتى اليوم. صحيح أن ثمة أوجه شبه بين مساعي شينزو آبي والجهود التي بذلتها رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي باتجاه واشنطن، لكن أوجه الاختلاف بينهما كثيرة أيضاً.
يرتبط وجه الاختلاف الأبرز بالرأي العام المحلي، إذ اعتُبر اندفاع ماي لتكون أول مَن يزور البيت الأبيض في بعض الأوساط البريطانية خطوة مشينة، تؤكد فقط عدم التكافؤ في هذه "العلاقة الخاصة"، وفي المقابل لم يواجه آبي قلقاً مماثلاً، لربما تشغل تداعيات انتصار ترامب الحكومة والأوساط الدبلوماسية في اليابان، لكن ترامب بحد ذاته لا يُعتبر مصدر عار شخصياً كما في أوروبا، كذلك تعتمد شعبية آبي على الاقتصاد أكثر منه على مكان لقائه ترامب وزمانه وكيفية حدوثه.علاوة على ذلك يتمتع رئيس الوزراء الياباني بمزايا عدة تجعله متفوقاً على القادة الآخرين في التعامل مع ترامب، ومن هذه المزايا الثقة التي يستمدها من تحدره من عائلة سياسية عريقة، أضف إلى ذلك خبرته في المناصب العالية (هذه ولايته الثانية كرئيس للوزراء) ومكانته التي قلما تشهد أي منافسة في الداخل، كذلك يبدو سلوكه بعيداً كل البعد عن التوسل.لكن المسؤولين يؤكدون أن آبي يُعتبر اليوم من أكثر الشخصيات خبرة في هذا العالم الواسع، فقد أمضى في منصبه فترة أطول من أي قائد وطني في مجموعة الدول السبع، باستثناء أنجيلا ميركل التي تحد راهناً انتخابات فصل الخريف في ألمانيا من قدرتها على المناورة والحركة، كذلك شهدت كل من دول هذه المجموعة الأخرى (المملكة المتحدة، وإيطاليا، وكندا، والولايات المتحدة) تبدلاً حديثاً نسبياً في السلطة.ينطبق الأمر عينه على آسيا، فقد يبدو تشي جين بينغ مسيطراً في بكين، إلا أن الصين تخوض راهناً مخاض الاستعداد لمؤتمر حزبي مع سعي الجميع للفوز بالسياسات والمناصب التي ترافقها، بالإضافة إلى ذلك يمتاز آبي بقدرته على البقاء على توافق إلى حد كبير مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.نتيجة لذلك يتمتع آبي بسلطة أكبر ليس في الداخل فحسب بل في الخارج أيضاً، سلطة تفوق ما حظي به أي قائد ياباني آخر في السنوات الأخيرة، هذا إذا قرر ممارستها، وهنا ينشأ السؤال: هل يمارس آبي سلطته هذه؟ وكيف؟على غرار ألمانيا ولأسباب مماثل، تفضل اليابان عدم فرض سلطتها، لكن ما أعلنه ترامب مراراً من ريبة تجاه بكين يقدّم لآبي فرصة لتحسين أمن اليابان الخاص وقيادة، في الوقت عينه، كتلة إقليمية تتصدى لقوة الصين المتنامية تحت المظلة الأميركية بالتأكيد، وإن كان هذا ما ترمي إليه طموحات آبي، فمن المؤكد أن صاروخ كوريا الشمالية ما كان ليُطلق في وقت أفضل.* ماري دييفسكي* «الإندبندنت»
مقالات
قد ينتهي المطاف بترامب اليوم إلى تغيير سياسات آسيا
15-02-2017