أيها الخليجيون... حماية المنافسة ليست مؤامرة!
أزمة شركات الطيران الخليجية تتخذ منحى أكثر صعوبة في الدول الغربية
غياب المنافسة العادلة ينعكس على ارباح المساهمين من ناحية، ومن ناحية أهم على ايرادات الضرائب التي تحصلها دول الشركات المتضررة. أما الاكثر اهمية فيتعلق بتقلص فرص العمل المباشرة وغير المباشرة في قطاع أساسي كالطيران.
أخذت أزمة حماية المنافسة في قطاع النقل الجوي ما بين شركات طيران خليجية ونظيراتها الأميركية بعداً جديداً، بعد أن عزفت 3 شركات طيران أميركية كبرى وفق لحن الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب، خصوصاً فيما يتعلق بسياساته الخاصة بأولوية أميركا عالمياً.فلم يكد الرئيس الأميركي الجديد يتسلم مقاليد الرئاسة حتى سلمت شركات يونايتد إيرلاينز ودلتا إيرلاينز وأميركان إيرلاينز ترامب، ملفاً يتهم شركات طيران الإمارات وطيران الاتحاد والخطوط القطرية بالمنافسة غير الشريفة في السوق الأميركي وتلقيها مساعدات من حكوماتها تتجاوز قيمتها 45 مليار دولار منذ عام 2005، مشددة على أن شركات الطيران الاميركية تتعاطى مع السوق وفقاً لمقتضيات تجارية بحتة، في حين تتعامل شركات الطيران الخليجية بمقاييس سيادية تؤثر على الأسعار وجودة الخدمات وخطوط الرحلات، مما يصطدم بقواعد المنافسة الحرة، فضلاً عن اتفاقيات السموات المفتوحة التي وقعتها الولايات المتحدة مع الإمارات وقطر.
موقف أوروبي
وفي سياق مواز, نسجت المفوضية الأوروبية على منوال الشركات الأميركية الثلاث عبر طرحها مسودة قانون لفرض رسوم على شركات الطيران من خارج الاتحاد الأوروبي، أو تعليق حقوقها في تنظيم رحلات، إذا أضرت بمصالح نظيراتها الأوروبية، بغية تحقيق المنافسة العادلة بين شركات الطيران داخل الاتحاد الأوروبي من خلال التصدي للممارسات التجارية غير العادلة من قبل شركات الطيران الأجنبية وحكوماتها، في إشارة واضحة لشركات الطيران الخليجية؛ إذ سبق لشركتي اير فرانس ولوفتهانزا الشكوى من غياب المنافسة العادلة مع شركات الطيران الخليجية.وربما يتساءل الكثيرون: ما المشكلة في غياب المنافسة العادلة، مادام المستهلك يحصل على سعر أقل وخدمات أفضل؟ المشكلة هنا في أن غياب المنافسة العادلة ينعكس على ارباح المساهمين من ناحية، ومن ناحية أهم على ايرادات الضرائب التي تحصلها دول الشركات المتضررة. أما الاكثر اهمية فيتعلق بتقلص فرص العمل المباشرة وغير المباشرة في قطاع أساسي كالطيران، مما يسبب إضراراً بالدول قبل الشركات، فقد حذر قادة نقابيون من فقدان عمال أميركيين لوظائفهم إذا خرجت الناقلات الأميركية من أسواق رئيسية بسبب المنافسة مع ثلاث ناقلات خليجية، مع تأكيد أن غياب المنافسة العادلة في اي سوق سيخلق شكلا ما من اشكال الاحتكار على المدى البعيد.شكوك في البيانات
شركات الطيران الخليجية لديها مشاريع سيادية تتعلق بالتسويق والانتشار، وبالتالي لا تهتم كثيرا بمسائل الربح والخسارة، كما ان امتناعها عن الإدراج في اسواق مالية معتبرة، رغم عالمية انتشارها التشغيلي، يثير درجة عالية من الشكوك حول جودة بياناتها المالية كالارباح والايرادات والمصروفات، فضلا عن بيانات التشغيل الخاصة بالرحلات والزبائن، أما الشركات الأميركية والاوروبية سالفة الذكر فتتعامل مع سوق الطيران من جانب تجاري بحت ويترتب على نتائجها مراكز مالية خاصة بالمستثمرين، والتزامات اخرى ضريبية وارتباطات بسوق العمل والتطوير والابتكار وجودة الخدمات، لا سيما تلك التي تسهل رحلات السفر.ردود الشركات الخليجية على الاتهامات الاميركية والاوروبية لم تخرج عن اعتبارها مزاعم وافتراءات، او محاولة لشن هجوم معاكس على الشركات القادمة من الخليج، مع ان اقرب الاحداث في عالم حماية المنافسة كانت قبل أقل من عام ضد اثنتين من كبريات شركات التنقيب والحفر والاستخراج النفطي في أميركا "هاليبرتون" و"بيكر هيوز"؛ إذ كسبت وزارة العدل الأميركية ومعها سلطات مكافحة الاحتكار دعوى قضائية لإلغاء اندماج الشركتين في صفقة تتراوح قيمتها بين 28.6 و34.6 مليار دولار.مكافحة الاحتكار
ورغم أن اندماج "هاليبرتون" و"بيكر هيوز" كان يستهدف خفض التكاليف ومواجهة هبوط اسعار النفط، إلى جانب ان الاندماج نفسه سيمول الخزانة الاميركية بالضرائب، فإن سلطات مكافحة الاحتكار انحازت لقيم المنافسة وقررت الاستثمار فيما يحقق المصلحة العامة على المدى الطويل، بل ان المخاوف التي تضمنتها الصفقة لم ترتبط فقط بالمنافسة والاحتكار، بل ايضا بالابتكار وكفاءة الاعمال، خصوصا فيما يتعلق بتوفير خدمات رديئة او القيام بالقليل من الأبحاث والتطوير، مما يؤثر سلبا في جودة الابتكارات وحجمها.عندما تسود مفاهيم احتكار الاراضي والوكالات التجارية والمناقصات والتجارة بشكل عام يصعب التعامل مع ثقافة حماية المنافسة، إلا باعتبارها مؤامرة، وإذا خرجنا من مسألة شركات الطيران الثلاث فسنجد اننا في منطقة لا تتوفر فيها بيئة المنافسة الحقيقية، وأن معظم شركات القطاع الخاص في حقيقتها حكومية الملكية، فضلا عن أن الاثر المالي المباشر وغير المباشر للدولة يمكن ان يغير من قواعد المنافسة العادلة لمعظم الشركات الكبرى في المنطقة مع نظيراتها في الاسواق المفتوحة الأخرى.إعادة أزمة قديمة
إن ملف شركات الطيران الخليجية الثلاث يعيد إلى الأذهان ازمة الصناديق السيادية الخليجية أيضا التي تستثمر في اسواق اوروبية وأميركية، إذ دارت العديد من الاستفهامات والاسئلة عن مدى شفافية هذه الصناديق وعلنية معلوماتها وافصاحاتها، خصوصا انها تستثمر في العديد من البورصات العالمية وتستحوذ على حصص في بنوك وشركات، ومن حق بقية المستثمرين على اختلاف أوزانهم الحصول على معلومات شفافة عن شركائهم من الخليج، إلا أن الرد في ذاك الوقت لم يختلف عن الرد الحالي في اعتبار ما يطرح على أنه مزاعم وافتراءات، وأحيانا مؤامرات.ودون الخوض كثيراً في السياسة، فإن العالم في عهدٍ يتغيّر في اتجاه اليمين، وسياسات ترامب غير الثابتة لا يمكن التنبؤ بما ستستقر عليه، وبالتالي لا يمكن المخاطرة بفتح العيون على ممارسات تؤدي الى اجراءات عقابية نتيجة الإخلال بقواعد المنافسة العادلة في أسواق تتشدد يوما بعد الآخر في مكافحتها.