مشروع صغير... شاي «كرك»!
معروف عالمياً أن نهضة اليابان وشرق آسيا الصناعية بدأت من المشاريع والمعامل الصغيرة، وفي ألمانيا تشكل الورش الصغيرة والمتوسطة أكثر من ثلاثة أرباع دخلها القومي، كما أن بداية انطلاق الاقتصاد السنغافوري والكوري في منتصف القرن الماضي كانت من خلال الورش الصغيرة التي تصنع "الترانزستور" وقطع الغيار الكهربائية والميكانيكية، التي كانت تعتبر مفتاح صناعات الأجهزة الكهربائية بكل أنواعها في ذلك الزمان. وعلى جانب تلك الصناعات في شرق آسيا نمت مكملاتها من أعمال خدمات ونقل ومواصلات وموانئ، وانتعش الاقتصاد وازدهر، وبالتبعية تطورت الأسواق و"المولات" وبعد ذلك أسواق التجزئة وصناعة الأغذية، ونتيجة لازدهار اليابان الصناعي والاقتصادي انتشر المطبخ الياباني بمأكولاته المتعددة (سوشي، وأسماك نيئة،...)، وتلاه في الانتشار مطبخ شرق آسيا بمأكولاته الأخرى.
عندنا في الكويت خرجت عن السيطرة "هبه" أو موضة المشاريع الصغيرة، وأصبحت عبثاً نتج عنه تحويل مناطق داخل العاصمة، مثل دروازة عبدالرزاق والمباركية والمرقاب، إلى مقاهٍ لـ"شاي الكرك" وصناعة الكعك ومواقع للتسكع و"المغازل" وتضييع الوقت وهدر الجهود تحت يافطة "المشاريع الصغيرة"، فالمشاريع الصغيرة ليست مقاهي و"بوثات دراريع" و"شباصات"، أو أخذ وكالة ماركة تجارية، أو إعادة تصدير سلع من السوق الصيني في دبي أو كانزو.المشاريع الصغيرة هي نواة لورش عمل صناعية لسلع مطلوبة في البلد، أو الإقليم، أو حتى عبر العالم، تخلق موارد للاقتصاد الوطني، فالمشروع المثمر والجاد هو الذي يصنع قطعة غيار مطلوبة لمنتج مدني أو عسكري، أو يعيد تصنيع سلعة ما بمواصفات أفضل، أو يقدم برامج للحاسوب متميزة، ويبتكر وسائل صيانة لتمديد عمر منتج ما يمكن تسويقه محلياً وخارجياً، إضافة إلى مجالات الترويج والجذب السياحي للبلد لخلق مورد مالي وإنعاش الأسواق المحلية.تلك هي المشاريع الصغيرة التي يسعى إليها العالم، والتي يجب أن تروج لها الدولة، وتتبناها الأجهزة الحكومية المعنية بالمشاريع الصغيرة عبر وضع خطط استرشادية، وقوائم بالمقبولة منها، لتدعمها الدولة وتضع الأنشطة المتعلقة بورش المشاريع الصغيرة على قمة الدعم الحكومي، والتي يجب أن تروج لها أيضاً وسائل الإعلام الرسمية كالإذاعة والتلفزيون، بدلاً من تخصيص وقت بث تلفزيوني لمقابلة مع صاحب مشروع صغير لمقهى يقدم قهوة كولومبية وشاي "كرك"!