الانتخابات الرئاسية الفرنسية... إيمانويل ماكرون أبرز مرشّح!
إيمانويل ماكرون أصغر المرشّحين للرئاسة الفرنسية! منذ بداية الحملة الانتخابية، لم تفارقه زوجته بريجيت التي يعتبرها مستشارته ويأخذ بنصائحها. أشار أحدث استطلاع رأي إلى انتقاله إلى الجولة الثانية من الانتخابات لأنه يحصد 20.5% من الأصوات، وهو يعارض أشكال التطرف كافة من معسكرَي اليمين واليسار معاً.
لو لم تكن الحياة السياسية في فرنسا محور علوم ودراسات جدّية، لكنا اعتقدنا أن لعنة حلّت على المرشحين للرئاسة. تلاحقت الفضائح التي أطاحت بمرشحين كانوا الأوفر حظاً لمتابعة السباق الرئاسي، وربما يتحوّل أكثر السيناريوهات جنوناً إلى واقع ملموس. كيف وصلت فرنسا إلى هذا الوضع؟ كذّبت صناديق الاقتراع نتائج الاستطلاعات الأولية مراراً وتكراراً وعكست استياء الرأي العام الذي لم يعد يجد نفسه في أي من المرشحين، ولا في الطبقة السياسية التي تبدو منفصلة عن الوقائع اليومية.ما هي العوامل المسؤولة عن تدهور الوضع؟ هل تبدّل هذا المجتمع الهش وغير المستقر حيث تبدو المؤسسات كافة ضعيفة؟ أم أصبح الرأي العام مضطرباً وقلقاً لأنه يشعر بالتهديد من الجهات كلها ويحمل رغبات متناقضة؟لا يجد الناس اليوم من يريحهم أو يترجم مخاوفهم في الطبقة السياسية. لكن يتحمّل السياسيون مسؤولية فقدان ثقة الناخبين كونهم استخفوا بالمسائل الأمنية التي جعلت الحياة اليومية مستحيلة. باختصار، لم يعد الرأي العام يثق بدور الدولة كحامية لمواطنيها. رفضاً للنخب الحاكمة والأحزاب التقليدية، يتجه الناخبون اليوم نحو أحزاب مثيرة للجدل من باب اليأس. بعدما تضامن الفرنسيون في ما بينهم غداة الاعتداءات الأمنية، عادوا لينغلقوا على نفسهم اليوم وتحوّلوا مجدداً إلى قبائل أنانية تبحث عن مصالح ضيّقة.
المنقذ
هذا ما يفسّر الأمل الذي يُعلّقه الفرنسيون راهناً على منقذ يسمح لهم بتجاوز هذه المرحلة الحاسمة من تاريخ بلدهم. يبدو لهم ماكرون رجلاً جديداً ومختلفاً مع أنّ فيون كان في مرحلة معينة المرشّح الأمثل بفضل قيمه ونزاهته وبعده الروحي المتمثل بانتمائه الكاثوليكي الواضح.لا بد من فهم توجهات الرأي العام المتبدلة من خلال إدراك هذه الآمال المرتبطة بالبحث عن مشروع أخلاقي وحاكم مختلف. تبخرت الآن آمال فيون السياسية لأن الفضيحة الأخيرة قضت على الحلم الذي روّج له. وبغض النظر عن موقف القضاة في نهاية المطاف، سيجد هذا المرشّح صعوبة في النهوض مجدداً وسيترك الفرنسيين حانقين ومستائين بعدما فقدوا الأمل بإيجاد مرشّح مثالي!فيون يتخبّط
بعدما كان فرانسوا فيون المرشّح الأوفر حظاً في هذه الحملة الانتخابية، يبدو أنه عاد ليتخذ مساراً عكسياً منذ بدء الأزمة التي يواجهها أخيراً. لا يجيد فيون اليوم التواصل مع الآخرين أو الدفاع عن نفسه ولا يقدّر على ما يبدو الأضرار التي سبّبتها له القضية الصادمة المرتبطة بالرواتب التي تلقتها زوجته (أكثر من 3600 يورو في الشهر طوال 15 سنة) وولداه (3000 يورو لكل واحد خلال أشهر عدة مع أنهما كانا لا يزالان يدرسان). أساء بذلك إلى صورته المثالية التي سعى إلى الترويج لها! من الواضح أن التداعيات ستكون حادة: تراجع فيون اليوم إلى المرتبة الثالثة في السباق إلى قصر الإليزيه بعد كل من مارين لوبان وإيمانويل ماكرون وخسر بين 3 و5 نقاط في استطلاعات الرأي. كذلك، غرق معسكره في الشكوك وأصابه الهلع لدرجة أنّ المسؤولين فيه يبحثون الآن عن خطط احتياطية وراء الكواليس وبدأ التداول بأسماء بديلة عنه.فهم فيون الكتوم أخيراً أنه يعجز عن متابعة حملته بنفسه. في وجه العاصفة التي تحاصره من الجهات كافة، يجب أن يثبت قدراته القيادية. طوال ثلاثة أيام، عزل نفسه مع مساعديه واستشار خبراء قانونيين وحدّد أسس حملته. كانت الآراء التي سمعها صريحة. شجّعه البعض على المضي قدماً وحذّره البعض الآخر من المخاطر التي يطرحها على معسكره. في النهاية وضع المرشّح استراتيجية واضحة: سيصرّ على رفض إدانته من وسائل الإعلام مع أنه لم يتردد في عقد مؤتمر لتبرير نفسه أمام 200 صحافي.لم يتصور فيون يوماً أن السياسة قد تسبب له هذه المشاكل. لم ينتهِ التحقيق في القضية بعد، لكنه يريد في مطلق الأحوال أن ينظر إلى الأمام، ووصف ما يتعرّض له بالاغتيال السياسي معتبراً أن أصحاب السلطة يستهدفونه، وعلى رأسهم فرانسوا هولاند وأمينه العام جان بيار جوييه دعماً لإيمانويل ماكرون.رغم هذه المعطيات الشائكة كلها، يريد فيون أن يثبت رغبته في متابعة النضال. بعد الاعتراف بأخطائه والاعتذار عنها، عاد إلى شوارع فرنسا لاستكمال حملته. يظن البعض أنه يستطيع النهوض لأن تغيير المرشّح في المراحل الأخيرة من السباق الانتخابي سيكون أحد أسوأ الخيارات.ماكرون يتألّق
في المقابل، يبدو وضع ماكرون مختلفاً بالكامل! أصبح أشبه بنجوم الروك ويحلّق خارج السرب، فيما يتابع فيون مساره وحده ويضطر إلى بذل جهود شاقة! أصبح ماكرون في هذه المرحلة المرشّح الأوفر حظاً! كان يحقق النجاحات، فيما انشغل معسكر اليمين بمحاولة التقاط أنفاسه. نادراً ما تصبّ الظروف في مصلحة مرشّح واحد كما يحصل اليوم مع ماكرون: برزت قضية فيون في البداية ثم فاز بونوا هامون الأكثر تطرفاً ضمن معسكر اليسار في الانتخابات التمهيدية، ما يعني أن الفرع اليميني من الاشتراكيين سيتّجه إلى دعمه. على صعيد آخر، زادت أعداد الحاضرين للقاءات التي ينظّمها.بعد عشرة أشهر فقط على نشوء حركة «إلى الأمام»، بلغ عدد المنتسبين إليها 170 ألف شخص، من بينهم خمسة آلاف تسجّلوا بعد 24 ساعة على نهاية الانتخابات التمهيدية في المعسكر الاشتراكي، ويستعد 30 ألف متطوع للتحرك خدمةً للحملة.يستطيع ماكرون أيضاً أن يتكل على 3696 لجنة محلية لتنظيم مئات المناسبات العامة أسبوعياً ولدراسة الأسواق وإجراء مقابلات مع السكان.برنامجه
يحظى ماكرون بالدعم من الجهات كافة. لكن يتوقع البعض أن يزداد وضعه صعوبة حين يضطر إلى الكشف عن برنامجه، إذ يتساءل الجميع عملياً عن توجهات برنامجه الانتخابي. وفق بعض المصادر المقرّبة منه، سبق وطرح حلولاً لمواضيع متنوعة أكثر من المرشحين الآخرين. قال ماكرون إنه لن يقدّم برنامجاً بمعنى الكلمة بل سيبرم «عقداً مع بلده» ويَعِد بالكشف عنه في بداية شهر مارس.
نادراً ما تصبّ الظروف في مصلحة مرشّح واحد كما يحصل اليوم مع ماكرون