الاحتياط الفدرالي ينعطف محذراً من تداعيات سياسة ترامب التوسعية
علَّق كبار مسؤولي مجلس الاحتياط الفدرالي في الآونة الأخيرة على التداعيات غير المحبذة التي قد تترتب على تنفيذ إدارة ترامب لسياسة مالية توسعية في الوقت الحالي. وتتعارض هذه النظرة الجديدة مع موقف مجلس الاحتياط الفدرالي السابق من أن سوق العمل ليس متشبعا، وأن هناك فرصة كبيرة ما زالت متاحة للقيام بمزيد من التوظيف. وقد جادل مجلس الاحتياط الفدرالي لبعض الوقت في وجود الكثير من الركود في سوق العمل – وهو المبرر الرئيسي للبنك المركزي لرفع معدلات الفائدة بصورة بطيئة جدا خلال فترة طويلة من الزمن. وإذا كان المجلس يعتقد حقا بوجود مساحة كبيرة لتوظيف إضافي، وأن التضخم سيظل في وضع صعب لعامين آخرين، فإن سياسة مالية أكثر تحفيزا يفترض أن تكون موضع ترحيب، وليس معارضة. ووفق تقديري، فإن معدلات الفائدة متدنية جدا، وسياسة المجلس النقدية توفيقية بإفراط، وسوف يصبح هذا واضحا بازدياد مع زيادة التضخم، ردا على النمو الاقتصادي الذي يدفع البطالة نحو مزيد من الابتعاد عن التوظف الكامل.
ويبدو أن مجلس الاحتياط الفدرالي غيَّر وجهة نظره، وبدأ يتبنى ذلك المنظور أيضا، وإن بصورة بطيئة. وفي شهادة أمام مجلس الشيوخ الأميركي الأربعاء الماضي أشارت رئيسة مجلس الاحتياط الفدرالي جانيت يلين إلى أنها تهدف إلى رفع معدلات الفائدة في هذه السنة دون النظر إلى خطط ترامب المتعلقة بالتحفيز المالي. وكان موقف مجلس الاحتياط الفدرالي خلال عدة سنوات يرى أن التعافي الاقتصادي متواضع الوتيرة، لذلك لم تكن هناك حاجة ملحة لرفع معدلات الفائدة. وقالت يلين مرارا إن عددا من الإجراءات في سوق العمل تضمن زيادة كبيرة في عرض العمل، رغم الهبوط في معدلات البطالة إلى مستويات كانت تشير في الماضي إلى توظف كامل. كما أشارت توقعات المجلس الفصلية التي نشرت في ديسمبر الماضي إلى أن المجلس لا يتوقع بلوغ هدف التضخم عند 2 في المئة لعامين آخرين، ما يعزز الفكرة القائلة باستمرار التباطؤ في الاقتصاد. ويصدق المستثمرون هذه الرسالة، وهكذا تم تسعير سوق السندات على أساس أن معدلات الفائدة سترتفع بصورة تدريجية فقط خلال العامين المقبلين.وتبددت هذه العلاقة مع ازدياد إمكانية أن تصبح السياسة المالية توسعية المسار. ويريد ترامب خفض معدلات ضرائب الأفراد والشركات، وزيادة الإنفاق على الدفاع والبنية التحتية. وقد يفاقم هذا من عجز الميزانية، حتى مع دعمه لنمو اقتصادي أسرع. ورغم ذلك إذا كان مجلس الاحتياط الفدرالي يعتقد حقا أن الاقتصاد يحافظ على تباطؤ كبير، فإنه من المنطقي بالنسبة لحكام البنوك المركزية الترحيب بسياسة مالية توسعية. وبدلا من ذلك يبدو أن مجلس الاحتياط يدعو الإدارة الجديدة إلى تفادي تنفيذ السياسة المالية التوسعية، ويشير إلى ضيق سوق العمل كمبرر لذلك. ويعتبر موقفه من السياسة المالية غير متطابق مع توصيفه للاقتصاد أو سياسته النقدية الحالية. وفي حقيقة الأمر، فإن موقفه من الاقتصاد يبدو قد تغير بصورة مباشرة، ردا على الوضع الجديد للسياسة المالية. ولم تدعم إدارة أوباما المبادرات المالية ذات التوجه التوسعي، تاركة مهمة تحسين النمو الاقتصادي وخفض معدلات البطالة إلى مجلس الاحتياط الفدرالي. وقام البنك المركزي بعمل رائع في عهد رئيسه بن برنانكه وجانيت يلين، حيث خفض معدل البطالة إلى 4.6 في المئة، وهو أحد أدنى المستويات خلال عدة سنوات، ما عوض نقص التحفيز المالي من وزارة الخزانة. وعلى أي حال، كان التوسع "المتواضع" أكثر من كاف لخفض معدلات البطالة إلى مستويات كانت تعتبر تاريخيا وعالميا مثل توظيف كامل، فيما ازداد نمو الأجور والتضخم بصورة متواضعة حتى الآن. وقد استمرت هذه العمليات فترة طويلة، بحيث كان يتعين على مجلس الاحتياط الفدرالي القيام بتطبيع تدريجي لمعدلات الفائدة من قبل، لكن يلين أوضحت تفضيلها لتحسين الاقتصاد، بسبب استمرار التباطؤ في سوق العمل. ولم يعد هذا هو الحال. ومن الواضح أن مجرد إمكانية المزيد من السياسة المالية التوسعية كانت كافية لجعل التباطؤ المتخيل في سوق العمل يتبخر بين عشية وضحاها تقريبا، حتى قبل أن يتم وضع أي سياسة مالية على شكل تشريع مقترح. وفي حقيقة الأمر، فقد وصفت في خطابها أمام نادي الكومونولث لكاليفورنيا قبل بضعة أسابيع التوظيف على أنه قريب من مستواه الأقصى والتضخم قريب من هدف مجلس الاحتياط الفدرالي، وهو تغير جلي في وجهة النظر خلال فترة قصيرة من الوقت. وعلى الرغم من ذلك، وردا على أول سؤال طرح عليها حول التباين في الدخل، أشارت يلين بوضوح إلى محدودية الأدوات لدى المجلس من أجل خفض ذلك التباين، لذلك فهي تفضل وجود اقتصاد قوي يسمح لغير المهرة والعاطلين عن العمل بالعثور على عمل بسهولة أكبر.من جهة أخرى، لا يدرك المستثمرون حتى الآن أن السياسة النقدية توفيقية جدا، وأن معدلات الفائدة متدنية للغاية. وقد هبطت أسعار السندات بحدة منذ الانتخابات الأميركية، مع إدراك المستثمرين أن المزيد من السياسة المالية التوسعية مقبل. لكن الهبوط في أسعار السندات لم يسمح بعد بالتغير الوشيك الناجم عن السياسة النقدية، إما لأن مجلس الاحتياط الفدرالي قد غيَّر سياسته، أو لأن التضخم ارتفع فوق احتمال المجلس. وفي حقيقة الأمر، فإن معدلات الفائدة يجب أن ترتفع بصورة كبيرة، وسوف يكون ذلك تطورا إيجابيا، لأنه سوف يسعر بصورة ملائمة بقدر أكبر تكلفة رأس المال بالنسبة للمقترضين، ويوفر عوائد أفضل للمستثمرين.