حكومتنا وعدم الالتزام بالقانون (1 /2)
الحديث المشترك في دواوين الكويت هو عن حالات الفساد المستشري في البلاد، وما استجد منه، بالإضافة إلى سوء الأداء في الدوائر الحكومية والتأخر في إنجاز معاملات الناس، سواء مقاولة بملايين الدنانير، أو تسجيل وثيقة أو رخصة ترميم بنيان، أو رخصة تجارية، أو موافقة استقدام موظف أو عامل.الحديث عن هذه الأمور في دواوين الكويت وأي مكان يجتمع فيه الناس يتداول بشكل روتيني، لكن لم يعد يثير الاستفزاز وإن كان يثير الاشمئزاز.الناس تشتكي، لكن لا أذن تسمع، فجلد المسؤولين ثخين، لا يؤثر فيه وخز إبرة، بل ولا حتى طعنة سكين.
فما هي الأسباب وراء ذلك؟ الجواب واضح: ضعف الحكومة (مجلس الوزراء) وسوء اختيار أعضائها وعدم التزامها بتطبيق القانون.قبل صدور دستور 1962 كانت هناك عادات وتقاليد تحكم وتنظم علاقات المجتمع وتعامل الناس، ومن يخالفها ينبذ ويعاقب، الناس في ذلك تسترجع أحداثاً منها سرقة التموين أيام الحرب العالمية الثانية، عندما تجرأ بعض الموظفين وتلاعبوا بتوزيع التموين والأغذية، فتم القبض عليهم، واستُعرضوا مقيدين في سوق التجار، ويقال إنهم عندما مروا من أمام المغفور له عبدالله السالم، قام من مكانه ولاحقهم بضربهم بنعاله. يفترض اليوم بعد صدور دستور 1962 أننا أصبحنا دولة قانون، أي يحكمها القانون الذي يضبط علاقات أفراد المجتمع، بما في ذلك السلطات العامة.والجهة الرئيسية الموكول إليها تطبيق القانون هي السلطة التنفيذية (مجلس الوزراء) تحت رقابة رئيس الدولة والسلطة التشريعية وما يتفرع منهما من أجهزة رقابية، وطبعاً رقابة المجتمع المدني بمؤسساته، وعلى رأسها الصحافة الحرة وأدوات وآليات النشر والتواصل.المؤسف أن حكومتنا، بل الحكومات المتتالية، وخضوعها وطغيان المصالح أصبحت طرفاً أساسياً في إهدار حرمة القانون، وقليل جداً من الوزراء الذين اتخذوا مواقف شجاعة انتصاراً للالتزام بالقانون وحسن تطبيقه، أذكر منهم على سبيل المثال الأخ والزميل مشاري العنجري في موقفه من صياغة قانون محاكمة الوزراء، وعادل الصبيح في تقديمه صيغة الاتهام بقضية الناقلات، وعبدالعزيز الإبراهيم في عدم خضوعه لضغوط ومطالب النواب غير المشروعة، والدكتور عبدالمحسن المدعج في موقفه الرافض لتعديلات قانون هيئة أسواق المال، وأحمد باقر في موقفه بإحالة قبضايات سوق الجملة إلى المحكمة، وعبدالرحمن الحوطي في موقفه من قضية مشروع الخيران البحري، أكبر عملية استحواذ في تاريخ الكويت.ربما هناك أسماء وزراء آخرين، لكنها على أي حال حالات نادرة أن يضع الوزير استقالته مقابل الالتزام بالقانون والقرار الأسلم للصالح العام.العلة الأساسية وراء ما تعانيه الكويت والمجتمع الكويتي من مآس، هي عدم احترام الحكومة للقانون والالتزام بتطبيقه، وهي الموكل إليها والمنوط بها حماية كل المجتمع وأفراده، وفقا للقانون ونصوص الدستور.وفي الحلقة المقبلة سأتطرق لأمثلة فعلية ووقائع لاختراق الحكومة حرمة القانون والتعدي عليه.