لا تجرح المجروح...
أن تعارض الحكومة فكلنا معك، لكن أن تنتخب من يظنون أنهم يمثلون الدين ويطلقون على أنفسهم لقب الإسلاميين، نكايةً بالحكومة فقط، وليس إيماناً والتزاماً منك بطرحهم أو بفروضك الدينية أصلاً، فهذا موضوع آخر، فهم يعارضون السلطة علناً وتفاهةً، لتزيد شعبيتهم بينكم ليفوزوا بواسطتها في الانتخابات، وبعدها يضيقون علينا وعليكم باقتراحات لجانهم وقوانينهم وصولاً إلى التعديلات الدستورية، ثم يتحالفون مع الحكومة بعد ذلك، ويعقدون الصفقات السياسية والشخصية والانتخابية على حسابكم وحسابنا، فتصبح الخسارة مزدوجة. طبعاً من الأساس أنا ضد تسمية أصحاب اللحى بـ"الإسلاميين"، وأفضل تسمية لهم "الملتحون"، أو أي اسم آخر ترونه مناسباً، وذلك لسببين رئيسيين؛ الأول أن تخصيصهم بهذه التسمية يعطي انطباعاً بأن الآخرين هم كفار قريش، وهذا غير صحيح، والأمر الآخر هو أن أفعال أغلبهم وتصريحاتهم تشوِّه الإسلام وتسيء له، إذا ما اعتبرنا أن هؤلاء فعلاً يمثلون الدين، لا سمح الله، فمجرد صدور هذه الممارسات والآراء من ناس عاديين لهم لحى سموا أنفسهم إسلاميين ليحصلوا على احترام ومكانة اجتماعية بين الناس لا تُعطيها قداسة وحصانة من أي نوع كان، فهي في حقيقتها غالباً ما تكون نابعة من عادات وتقاليد وشكوك وأمراض نفسية لا تمت إلى الإسلام بصلة، فقلي الفلافل في سورية ليس جهاداً، وبالتأكيد لن يكون أكثر أجراً من قليها في محل "شرف" بالشرق، وأكاد أجزم أن من يقسم على الثبات عشرين عاماً ثم يتحرك بعد عامين ليس كالصابرين الموعودين بالجنة إذا صبروا.
اليوم تقدم بعض الإخوة المعنيين أعلاه، بالتزامن مع فتح ملف الإيداعات مرة أخرى، باقتراح تعديل المادة 79 من الدستور، المرفوض سابقاً، ليعيدونا معهم إلى المربع الأول، وكان يجب عليهم، قبل أن يندفعوا هم ومريدوهم وراء أي مطالبة تتم تحت غطاء ديني أو أخلاقي مفتعل، التروي والصبر علينا قليلاً واحترام مشاعرنا المتضاربة، خصوصاً هذه الأيام بعد أن اكتشفنا أن أغلب، إن لم يكن كل، المتهمين بقبض الأموال كانوا من زملائهم المستشرفين ودعاة الأسلمة والمحافظة، أو من سبق لهم الاقتراح أو التصويت مع قوانين تحد من الحريات باسم الدين، أو على الأقل، عارضوا كتاباً هنا أو أغنية هناك، ومن واجبنا في المقابل أن نتذكّر ونذكّرهم كيف كان أولئك النواب المتهمون بالقبض ومريدوهم يدافعون عن مواقفهم تلك آنذاك باستماتة، ويقومون بتوزيع سريع للخصوم بثقة على أبواب النار، "ولا توزيعات الهيئة السكنية"، ففرطوا في حقوق أو قيدوا أنفسهم وقيدونا معهم بنصوص وقوانين اقترحوها أو أقروها، وذلك كله كان بالطبع دفاعاً عن شرع الله تعالى، يغلقون النوافذ باليمين ويقبضون باليسار، ولم نعرف بلاويهم رغم مرور سنوات من الرقابة والتشريع وتعاقب رؤساء الوزارات، بل بعد اختلاف الشيخين ظهر المقبوض، فلم تردّهم دعوى مرضاة الله عن القبض، ولم تلههم الأموال عن الرغبة في الاستشراف والدفاع عن الدين والعادات والتقاليد المزعومة، فلم نسلم لا على الأموال ولا على الحريات التي كُبلت بأيديهم، ومن ثم علينا اليوم، من باب أولى، قبل الاندفاع مرة أخرى وراء قوانين جديدة من زملائهم "الإسلاميين"، إعادة النظر في القوانين التي ساهموا في إقرارها لفسادها بالتبعية، تمهيداً لإبطالها أو إلغائها، إن أمكن، فلا تستعجلوا علينا باقتراحات "الأسلمة" هكذا، كي لا نلدغ من جديد بهذه السرعة، ولنسلم على ما تبقى من الحد الأدنى من الحريات، حتى موعد الصفقة المقبلة على الأقل.