أنت متخصص في اللسانيات linguistique، كيف تحدّد هذا الاختصاص؟

Ad

أنا متخصّص في اللسانيّات الهندو-أوروبيّة، وبالتحديد اللغات الإيرانيّة التي تشمل الفارسيّة والباشتونيّة والكرديّة والأوردو. بالإضافة إلى اختصاصي في التطوّر التاريخيّ للغات من ناحية القواعد اللغويّة.

يقوم اختصاص اللسانيّات على البحث في أصول اللغات وعلاقاتها مع بعضها البعض.

كيف تعرفت إلى الثقافة العربية، وما الذي حفّزك على التعمّق فيها؟

من باب اهتمامي باللغات والآداب الشرقيّة كان لا بدّ لي من أن أطرق باب اللغة العربيّة للتعمّق أكثر في الثقافة الإسلاميّة. بالنسبة إلي، العربيّة لغة سحريّة، عميقة الأبعاد، ومتعدّدة المترادفات. بدأت بدراستها بنفسي في البيت وبمساعدة أحد جيراني الجزائريّين. وبعد سنة كنت أتكلّمها وأكتبها بكلّ طلاقة. وبعد سنتين من هذا الأمر تعرّفت إلى صديقي الدكتور سرجون كرم عام 2012 واتفقنا على مشروع ثقافيّ وهو عبارة عن ترجمات أدبيّة للغتين العربيّة والألمانيّة، فزاد تعمّقي في البلاغة العربيّة. وفي السنة الماضية، تمكنّا معاً من تفكيك سرّ أحد الغرف المكتوبة بالرموز الإسلاميّة في باليرمو – صقليّة. ونعمل حالياً على ترجمة الشاعر الصقلي العربيّ ابن حمديس. فعلاقتي مع اللغة العربيّة أصبحت جزءاً كبيراً من حياتي الثقافيّة.

المستشرقون والمثقف العربي

إلى أي مدى تستطيع الترجمة نقل جوهر الحضارات والآداب؟

القاعدة الأولى للترجمة هي التمكّن من اللغتين معاً، المُترجم منها وإليها – يعني إلى جانب الإدراك اللغويّ ثمة إدراك خصائص كل لغة وشعورها وتراكيبها ووعيها الجمعيّ. وبالنسبة إلى الشعر، فلا بدّ من امتلاك شعور شعريّ. وبناء عليه إنّ النصّ المترجم موجّه إلى الإنسان الناطق باللغة المترجم إليها، وهكذا إن عمليّة اتقان التراكيب اللغويّة والألسنيّة يساعد إلى درجة كبيرة في نقل اللعبة الأدبيّة إلى لغة أخرى.

ما الدور الذي يضطلع به المستشرقون في الغرب لإيضاح صورة المثقف العربي التي شوهتها الأحداث في السنوات الأخيرة؟

لم تكن صورة العربيّ في عالم الاستشراق في يوم من الأيام، إلا في أزمنة قليلة، إيجابيّة. في رأيي، فقد المستشرقون المحدثون التركيز على جوهر الموضوع. قلّة نادرة منهم تعمل في أيامنا هذه على الأدب العربيّ، وينحصر اختصاصها واهتمامها في نقاط محدودة، ما أفقد هذا العلم شموليّته.

ما زال نقل صورة المثقّف العربيّ إلى عالم الغرب ضمن إطار الحملات الفرديّة. ولنا في نشاطنا مثال، فنحن منذ خمس سنوات نترجم الأدب العربيّ ونصدره بمبادرة فرديّة. وأعتقد أنّ نشاطنا نحن الاثنين هو الأكثر كثافة حتى الآن في ألمانيا.

ترجمت نصوصاً لشعراء لبنانيين شباب في أنطولوجيا تحت عنوان «لبنان وطن التهجئة»، مع د. سرجون كرم، كيف تعرفت إلى الشعراء الشباب اللبنانيين وما الذي لفتك في شعرهم؟

تعرّفت إلى مجموعة من الشعراء اللبنانيّين عبر صديقي سرجون. كان همّنا نحن الاثنين تقديم مشروع يساهم في تفعيل حركة ثقافيّة في بيروت ضمن إمكاناتنا المحدودة. قبل صدور الترجمة توجّهت إلى بيروت والتقيت عدداً كبيراً من هؤلاء الشعراء الذين أصبح بعضهم صديقي أمثال: مكرم غصوب، والعميد وليد زيتوني، وهنيبعل كرم، ونعيم تلحوق، وشاركت حضوراً ومناقشة في إحدى أماسيّهم.

إلى أي مدى تعطي هذه الأنطولوجيا صورة عن الحركة الشعرية المعاصرة في لبنان؟ وكيف تقيّم النتاج الأدبي اللبناني؟

يجب أن أوضح نقطة وهي أنّ ترجمتنا لأي نصّ لا تعني أنّه هو قمّة ما كُتب، لأنّ زمن هكذا تقويم قد ولّى. تعكس النصوص بالنسبة إلينا حالة اجتماعيّة ونفسية وحتى قيمية في ما يختص بمستوى الفكرة والفكر القابع وراءها. الشعراء الشباب اللبنانيّون عكسوا حالة الوضع الذي يعيشون فيه: الفوضى الداخلية والاجتماعيّة، يعيشون مسجونين في داخلهم. يؤدّي انعدام الأفق الاجتماعي والنفسي والاقتصادي في الدول العربيّة إلى حالة من اليأس لدى شعراء العرب الشباب فتأتي نصوصهم نوعاً من البحث عن طريق تمرّد يعالجون به ذواتهم.

كيف تفسّر ظاهرة ازدياد حركة الاستشراق في ألمانيا؟ ولماذا الاهتمام بالأدب العربي؟

ذكرت في سؤال سابق رأيي في موضوع الاستشراق في ألمانيا. ظاهرة دراسة الثقافة العربيّة حالياً تزداد، ولكن كما قلت، فاقدة التركيز على شموليّة الثقافة العربيّة. يخضع الاهتمام الحالي للمشاكل التي تجتاح العالم العربيّ أو كيفية فهم هذا المجموع العربيّ الموجود في ألمانيا وإيجاد السبيل لإدماجه في المجتمع. الاستشراق الثقافي كما كان معروفاً في القرن التاسع عشر لم يعد معروفاً.

خلال ترجمة نص شعري، ما الذي يتقدم على الآخر: الصناعة أي الشكل أو العمق الإنساني؟

النصّ الشعريّ للمترجم الصادق هو كائن متكامل في الشكل والمضمون. وللتعبير عن العمق الإنسانيّ نحتاج إلى لغة، ولترجمة هذه اللغة – القالب – الخزّان في خصوصياتها نحتاج إلى خصوصيات اللغة – القالب – الخزان على الطرف المترجم له.

ترجمت أخيراً مع د. سرجون كرم قصائد لشعراء سوريين في كتاب «بورتريه للموت.. قصائد تحت القصف»، ما الذي حمسك لهذا المشروع هل يعطي هؤلاء الشعراء صورة عن رأي جيلهم بما يجري من حولهم؟

قصائد الشعراء السوريين في «بورتريه للموت» كانت بالنسبة إلي من أصدق النصوص التي ترجمناها. تحمست لهذا المشروع كونه يقدّم حالة صادقة ومأساويّة وليس فيها مكان لبهلوانات أدبيّة. القصائد حقيقية من دون أية عمليّة تجميل. هذه القصائد مقارنة بقصائد عالميّة كتبت أثناء الحرب تشترك معها في جعل القارئ يشمّ رائحة الحرب ويلمس ويلاتها.

أنطولوجيات

ثمة أنطولوجيات عدة للآداب العربية مترجمة إلى الألمانية من بينها أنطولوجيا القصة القصيرة، ولكن لا وجود لأنطولوجيا الشعر العربي. لماذا؟

يركّز المجتمع الأوروبي على القصّة والرواية على عكس العالم العربيّ. الانطولوجيات العربيّة كافة التي صدرت في ألمانيا هي مبادرة شخصيّة. أمّا من ناحية الشعر فلنقل إنّ الشعر العربيّ الحديث لا يلمس الذائقة الألمانيّة لا لخلل في هذه الذائقة. القصيدة العالمية يجب أن تخاطب الإنسان وفكره ومشاعره لا أن تعرض له حالات نفسيّة فرديّة.

هل ثمة مشروع في هذا الخصوص؟

ما أقوم به مع زميلي وصديقي سرجون، نابع من محبّتنا للثقافة العربيّة وعطفنا عليها أمام تراجع صورتها في الغرب، نتيجة للحروب الحالية في العالم العربيّ والإرهاب الذي يضرب بلا رحمة حتى في أوروبا ويزيد في تشويه هذه الصورة. حتى الآن قمنا بعشر ترجمات، وفي كلّ مرة تزداد خبرتنا أكثر في نوعية النصوص أو المواضيع التي نرى أنّها تستحق الترجمة.

موضة قديمة

يحدد د. سيباستيان هاينه علاقته بالشعر العربي على النحو التالي: «لو كنت عربياً لقيل عني الآن إني موضة قديمة. أنا مسحور بالشعر العربيّ القديم مثل الأندلسي والعباسيّ. هذا رأيي الشخصي ولكن بالنسبة إلي أعتبر هذه القصائد التي تسمّى كلاسيكيّة قمّة الشعر العربيّ». أما حول الجديد الذي يعمل عليه راهناً فيقول: «نترجم د. سرجون كرم وأنا ديوان ابن حمديس الصقلّي. وفي المرحلة النهائيّة من ترجمة ديوان سرجون كرم «سندس وسكيّن في حديقة الخليفة». هذا حاليا في ما يخصّ نشاطي في اللغة العربيّة».