في مقالي الأحد قبل الماضي تحت العنوان ذاته، تصدرت عناوينه الفرعية، عنوان "لا للكراهية" وهو الشعار الذي حملته المظاهرات ضد ترامب في العالم كله، وتمنيت لو أن الجلسة الخاصة لمناقشة تضخم عدد الوافدين، قد حملت عنوانا آخر هو الخلل في التركيبة السكانية، لبحث أسبابه الحقيقية، دون ترسيخ ثقافة جديدة على المجتمع الكويتي هي ثقافة الكراهية ضد الآخر، والتي أسفرت في الآونة الأخيرة عن جرائم من نوع جديد هي جرائم الكراهية.
الوحدة الوطنية ضد الوافدين
وفي سياق حملة الكراهية ضد الوافدين التي بدأت تشيع في المجتمع، نبتاً بغير جذور، غريبة عنه ودخيلة عليه، كتب بوعسم على الصفحة الأخيرة من صفحات "الجريدة" في عددها الصادر في 20 يناير 2017 كان "مبارك" يشتكي دائما من عنصرية "حسين" ضده لأنه من أصول قبلية، وحسين بدوره كان يتذمر من طائفية مبارك لأنه من المذهب الشيعي، وكلاهما كان "جاسم" يعتبرهما مواطنين من الدرجة الثانية، لكنهم اليوم، ولله الحمد، تركوا عنصريتهم ضد بعض، واجتمعوا كمثال للوحدة الوطنية في اعتصام للمطالبة بطرد الوافد إذا عطس في مكان عام، وفرض ضريبة عليه إذا دخل الخلاء 3 مرات باليوم.مخالفة أحكام الدستور
والواقع أن ما يجري من تصريحات واقتراحات بطرد الوافدين، وأنهم المسؤولون وحدهم عن الخلل في التركيبة السكانية، وعن تردي الخدمات ونقص ما يقدم منها للمواطنين، وأنهم مسؤولون عن عجز الموازنة، بما ينفق على الخدمات التي تقدم لهم، وأنهم يحصلون على هذه الخدمات دون مقابل، والمطالبة بالتفرقة بين المواطن والمقيم في العلاج وبفرض رسوم عليهم وضرائب على دخلهم دون المواطنين الذين يحصلون على أضعاف مرتباتهم، إن كل ذلك يخالف المقومات الأساسية للدستور، والذي اعتبر العدل والحرية والمساواة دعامات المجتمع (مادة 7) ونهى عن التمييز بين الناس في الحقوق والواجبات العامة، بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين لأن الناس متساوون في الكرامة الإنسانية (مادة 29) ومخالفة للمادتين 22 و24 من الدستور الذي اعتبر العدالة الاجتماعية أساس الضرائب والرسوم (مادة 24) مع مراعاتها في العلاقة بين العمال وأصحاب الأعمال (مادة 22).مخالفة قانون الوحدة الوطنية
هذه الحملة من الكراهية التي تحركها الأقلام والتصريحات التي يغيب عنها مفهوم الوحدة الوطنية، وقد انحرفت حملة الكراهية ضد الوافدين بالنقاش الموضوعي في موضوع التركيبة السكانية عن مجراه الطبيعي لتلقي به في منعطف يقصيه عن تحقيق أهدافه، هو منعطف الوافدين لأنهم كما يقول الدكتور إبراهيم بهبهاني الحلقة الأضعف، وليس لهم من يمثلهم أو يدافع عنهم، فأنتم اخترتم المكان الصح وباستطاعتكم أن تفرضوا رسوماً عليهم ليس فقط لاستخدامهم الطرقات، بل على الهواء الذي يستنشقونه، فهل أنت فاعلون؟! (باب هاني– القبس).فالوحده الوطنية في مفهومها الاجتماعي والدستوري والقانوني هي المجتمع بكل أجناسه ولغاته وأديانه وأصوله العرقية التي اعتبرها الدستور من صور التمييز المنهي عنه، فقد قام المجتمع الكويتي على هذه الوحدة قبل اكتشاف النفط وبعد اكتشافه، وقبل نشأة الدولة وبعدها، فالوافدون وفقا لآراء المنصفين "شريك أساسي في المجتمع" ودورهم محوري في المجتمع وفي بناء الدولة الحديثة. (عبدالعزيز الكندري في ربيع الكلمات 10/ 1/ 2017)، ولا ينكر فضلهم فهم إخوتنا (عوض الفضلي) وهم شركاء في بناء وطن ترفع أبناؤه عن العمل في الكثير من المجالات (محمد السدان في سدانيات يوم 25/ 1/ 2017).حملة يجرمها ويعاقب عليها القانون
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق، كيف تغفل وزارة الداخلية عن ملاحقة القائمين بحملة الكراهية ضد الوافدين والمحرضين عليها، رغم أن القانون رقم 19 لسنة 2012 يجرمها ويعاقب عليها فيما نصت عليه مادته الأولى من أنه:"يحظر القيام أو الدعوة أو الحض بأي وسيلة من وسائل التعبير المنصوص عليها في المادة (29) من القانون رقم (31) لسنة 1970 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء، على كراهية أو ازدراء أي فئة من فئات المجتمع أو إثارة الفتن الطائفية أو القبلية أو نشر الأفكار الداعية إلى تفوق أي عرق أو جماعة أو لون أو أصل أو مذهب ديني أو جنس أو نسب، أو التحريض على عمل من أعمال العنف لهذا الغرض، أو إذاعة أو نشر أو طبع أو بث أو إعادة بث أو إنتاج أو تداول أي محتوى أو مطبوع أو مادة مرئية أو مسموعة، أو بث أو إعادة بث إشاعات كاذبة تتضمن ما من شأنه أن يؤدي إلى ما تقدم".لا عقاب على الاتجار بالبشر
يتساءل الكاتب الكبير يوسف الجاسم في مقال له نشر على صفحات الجريدة في عددها الصادر في 20/ 1/ 2017، ألم نُغرق البلد، وخاصة بعد التحرير، بطوفان العمالة الهامشية السائبة، وخلق طبقة طفيلية من علية القوم المتاجرين بالبشر وإقاماتهم عبر الشركات الوهمية؟ وهي طبقة لا يطولها القانون، ولا تحكمها ذمة حين خاطرت، ولا تزال، بأمننا الوطني والاجتماعي وتركيبتنا السكانية، واكتنزت الثروات من عذابات العمالة الهامشية البائسة والسائبة؟وفي هذا السياق يقول د. خالد بودي "نظام الكفيل نظام متخلف بال، يتضمن الكثير من الظلم ولإجحاف للعامل، ومن خلاله دخل ضعاف النفوس إلى عالم تجارة الإقامات، وحققوا منه ثروات على حساب الفقراء والضعفاء".وأضيف إلى ما قالاه أنه كان من بين تداعياته أن الكويت تصنف في مجال مكافحة الإتجار بالبشر، وإن تحسنت مرتبتها قليلا بإنشاء مركز اختياري لإيواء النزيلات، يديره د. فلاح المطيري.ويلقى نظام الكفيل انتقادات واسعة من جمعيات حقوق الإنسان، باعتباره نوعا من الإتجار بالبشر، فالكفيل يبيع مؤسسته بما عليها من عمالة وافدة، على أساس أن هذه العمالة من أصول المؤسسة، وهم يجوبون الشوارع بحثا عن عمل، ويدفعون له الإتاوات السنوية، وبعض هذا المؤسسات لا تباشر نشاطا ما، ولا تحقق أي إيرادات إلا من الإتاوات، التي يسددها القادمون للعمل قبل قدومهم، أو يسددونها سنويا للكفيل.ترشيد نظام الكفيل وضبطه
ونظام الكفيل هو نظام خالف أصل نشأته في أن يكون الكفيل مسؤولا مسؤولية قانونية وأمنية عن أعمال الوافد، مسؤولية المتبوع عن أعمال التابع التي يعرفها القانون المدني، والتي لا تقوم على أساس خطأ المتبوع، بل على أساس المخاطر، فانحرف نظام الكفيل عن هذه المسؤولية القانونية والأمنية أمام الجهات المختصة إلى إيقاع العامل في مخالفة لقانون الإقامة بعدم تجديد إقامته إلا إذا سدد الإتاوة السنوية المتفق عليها، وأحيانا بعد زيادتها، وهو لا يأبه لترحيل الوافد طالما سيجلب غيره وبمبلغ أكبر سيدفعه الوافد الجديد عند قدومه، والكفيل بحكم قصور القانون تارة، وبحكم نفوذه واتصالاته قادر على اختراق قوانين الإقامة.ولعله قد آن الآوان لإصلاح نظام الكفيل، بأن يتحمل نواب الأمة مسؤوليتهم التاريخية، في التنمية المستدامة وتحقيق الرخاء ورفع مستوى المعيشة التي لا تنفصل عن مقومات المجتمع الأساسية مجتمع الأسرة الواحدة، من عدل وحرية ومساواة وعدالة اجتماعية.وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.