قاعة برلمان... أم قاعة مزادات؟!
لا شك أن كل كويتي مخلص شعر بالحزن والأسى بسبب مجريات جلسة مجلس الأمة الأربعاء الماضي، وما طُرِح فيها من معلومات كشفت عن رشاوى، وتكسبٍ لسياسيين، بحكم مناصبهم، يعتبرون موظفين عامين يديرون شؤون الدولة من تشريع ورقابة، وهي التسمية الصحيحة للوقائع التي ذُكِرت، أما تسميتها بقضية "الإيداعات" فهو تبسيط، ربما ابتكره شخص ذكي جداً، ليفلت مرتكبو تلك الجرائم من العقاب.قاعة عبدالله السالم في جلسة "الإيداعات" كانت ساحة لعرض أرقام خيالية، ولكنها صحيحة ومثبتة بأدلة ومستندات، بينما كانت هناك معلومات أخرى تُعرض من بعض الأعضاء عن أرباح لنواب تصل إلى 25 مليون دينار في يوم واحد بسبب التعامل مع الدولة، إضافة إلى قول نائب آخر: إن زميلاً له كان لا يملك سوى راتبه يدير حالياً محفظة عقارية حول العالم تُقدَّر قيمتها بـ200 مليون دولار، في حين كشف نائب أيضاً أن الصوت الواحد يُشترى بمليون دينار ربما للتصويت على أمر ما داخل البرلمان أو للفوز بمنصب فيه!... تلك الأرقام المفجعة حوّلت قاعة البرلمان الكويتي- للأسف- إلى ما يشبه قاعة المزادات.
في النظم البرلمانية المعتبرة يُسقِط استخدام كوبون بنزين لغير أغراض العمل الرسمي أو دعوة مجانية إلى منتزه لسياسي ما مصداقيته، ويُنهي حياته في العمل العام، وربما يظل ملاحقاً عدة سنوات جنائياً وضريبياً، وعندنا يطلق البعض على مَن يحصل على الملايين من الرشاوى من المال العام والخاص أنه "شاطر" تمكن من أخذ حقه من ثروة البلد المهدرة، التي توزع على أصحاب الحُظوة والنفوذ، وهذا الأمر ناتج عن ثقافة ساهم في انتشارها الفاسدون، وبعض أعداء الديمقراطية من السلطة وحاشيتهم، وكذلك إفلات معظم مَن تجاوزوا على المال العام من العقاب.بعد هذه الحقائق عن حجم الرشاوى وانتشار المال السياسي، وانغماس معظم أعضاء المؤسسة البرلمانية، منذ سنوات طويلة، في الخلط بين "البزنس" والعمل البرلماني، أصبحت هذه المؤسسة بحاجة إلى تطهير شامل عبر مجموعة قوانين تمنع "الرشاوى السياسية" والتكسب المادي والخلط بين عضوية البرلمان وممارسة الأعمال التجارية مع الدولة، التي لم تتمكن المادة الدستورية الصريحة التي تحظر ذلك من القضاء عليها وتجاوزها من معظم السياسيين، سواء كانوا أعضاء في مجلس الأمة أو الحكومة. النائب رياض العدساني ورفاقه أوفوا بوعدهم بكشف الرشاوى السياسية (الإيداعات)، ولكنهم أيضاً أسقطوا المتبقي من ثقة الكويتيين بهذه المؤسسة، وهذا ليس ذنبهم فهم مؤتمنون على مصالح الأمة، وكان يجب عليهم أن يقوموا بذلك، ولكنهم الآن مطالبون بالأهم والأصعب، وهو أن يكملوا واجبهم عبر سن التشريعات التي توقف هذه الجرائم السياسية والأخلاقية.والمسؤولية الكبرى تقع على النظام، لأن سقوط ثقة الشعوب بمؤسساتهم الدستورية تدفعهم إلى البحث عن سبل أخرى لاسترداد حقوقهم، وهي حالة تتراكم مع الزمن، ومضاعفاتها خطيرة، إن لم تتدارك عبر عملية إصلاح جادة وسريعة بواسطة حزمة تشريعات لإحكام الرقابة على فساد السياسيين وخلط الحكم بالتجارة وتوزيع المناصب الشعبية على رموز السطوة والنفوذ في البلد.