استعرض تقرير الشال الاقتصادي الأسبوعي موضوع الفساد والهيئة العامة لمكافحة الفساد، وقال إن الكويت في عام 2016 وحده، تخلفت 20 مركزاً في مؤشر مدركات الفساد، و40 مركزاً عن موقعها في عام 2003. ونسبت أخبار صحافية لا نستطيع تأكيدها (العربي الجديد) دراسة إلى صندوق النقد الدولي تذكر أن تكلفة الرشا في الكويت تبلغ نحو 2 في المئة من حجم الاقتصاد، وأن تلك التكلفة ترتفع في العقود الحكومية إلى نحو 25 في المئة من قيمة العقد.

وأضاف التقرير: في فرنسا، خسر مرشح الحزب الجمهوري مؤخراً، وكان الأقوى حظاً في الفوز بانتخابات الرئاسة في مايو القادم، خسر شعبيته بسبب صرف رواتب لزوجته وأبنائه بنحو 900 ألف يورو (292 ألف دينار)، ليس لأنها مخالفة للقانون، ولكن، لأنها غير مستحقة وغير أخلاقية وتفوق ما قدمته زوجته وأبناؤه من عمل مقابل ما قبضوه. ورغم أن فقدانه شعبيته يرفع من احتمالات فوز مرشحة اليمين المتطرف بكل تداعياته على تماسك منطقة الوحدة النقدية الأوروبية ومنطقة الاتحاد الأوروبي وربما العالم، إلا أن مخاطر التسامح مع الفساد أمر لا يغتفر، ولا يقايض بأي تكلفة أخرى.

Ad

وفي 19 نوفمبر 2012، تأسست الهيئة العامة لمكافحة الفساد في الكويت، ثم أعيد تأسيسها في 24 يناير 2016 بعد خطأ إجرائي حكومي في التأسيس الأول. وحتى الآن، مضى على تأسيسها نحو 4 سنوات وربع السنة. وفي 7 فبراير 2017، صدر تقرير لجنة تقصي الحقائق المشكلة في يناير 2017 حول أوضاع هيئة مكافحة الفساد، وبعد أكثر من أربع سنوات على تأسيس الهيئة من دون إنجاز، خلالها استشرى الفساد في كل مرافق الدولة، جاء التقرير ليضيف تهمة فساد إلى هيئة مكافحة الفساد.

ولخص التقرير مشكلات الهيئة بعوار جوهري مس نظامها القانوني واللائحي، أي طال الأساس في تشكيلها، ساعد ذلك العوار في استفحال الخلاف بين رئيس الهيئة ونائبه من جانب، وبقية الأعضاء الخمسة من جانب آخر، ما أدى إلى عدم قدرتها على أداء المسؤوليات الجسيمة المناطة بها. ليس هذا فقط، ولكن امتد الانقسام إلى الجهاز التنفيذي، شاملاً الأمين العام ومساعده، وفتت الجهاز إلى ثلاث فئات، فئة مع فريق الرئيس، وأخرى مع البقية، وثالثة محبطة لأنها لا تريد أن تحسب على أي من الطرفين، بما يشكله حيادها من ضغط عليها من قبل طرفي الخلاف. العوار أصاب التشكيل أيضاً، فالتقرير ينتقد التوسع في عدد مجلس الأمناء إلى سبعة، وكلهم متفرغون، ومن دون ربط العدد بحاجة العمل، أو حتى دوره في تعطيله، وذلك في تقديرنا نتاج المحاصصة والتنفيع وشراء الولاءات من قبل الحكومة ونافذين في تفريخ المؤسسات والاستحواذ على تعييناتها. العوار القانوني واللائحي أصاب أيضاً تبعية الهيئة، وأصاب النص على تسلسل عقوبة أعضاء مجلس الأمناء، وامتد إلى تركيز السلطات التنفيذية بيد الرئيس، وموافقة الأعضاء عليها ثم العمل بالمخالفة لها، بينما استغل الرئيس التفويض باختزال سلطات مجلس الأمناء في التعيين والانتداب والعقود لنفسه.

كسب ثقة المواطنين

ولم تسلم هيئة مكافحة الفساد من فساد ممارستها لعملها، ذلك ما دونه تقرير لديوان المحاسبة، وذلك أخطر الأمور وفقاً لتقرير لجنة تقصي الحقائق، ما أدى إلى فشلها في كسب ثقة المواطنين والمسؤولين وأعضاء مجلس الأمة. وفيما يشبه حكم إعدام صادر عن محكمة أول درجة، توجز اللجنة نتائج أعمالها، بالقطع في غياب الموضوعية وكل متطلبات نجاح مجلس الأمناء في إدارة الهيئة العامة لمكافحة الفساد. وأن معالجة وإصلاح الوضع داخل الهيئة أضحى استحقاقاً وطنياً للمحافظة على الأمن الاقتصادي، بعد أن نالت الخلافات داخلها من سمعتها وشوهت صورتها وعجزها عن إيجاد بيئة تكفل سير العمل.

مكافحة الفساد تحسِّن المعيشة

ذكر صندوق النقد الدولي في تقرير بمايو 2016 حول "التكلفة الاقتصادية والاجتماعية للفساد"، أن نجاح أي بلد في التقدم وحدة واحدة في مكافحة الفساد، يعني ارتفاع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بما يراوح ما بين 0.59 و 0.86 نقطة مئوية، أي أن حرمان الفاسدين أو اللصوص جزء ثمرة فسادهم، يعني مكسباً ظاهراً لكل المواطنين، يؤدي إلى تحسين في مستوى معيشتهم. ويذكر تقرير الصندوق، بأن الفساد يؤثر سلباً على الاستقرار المالي للاقتصاد الكلي، والاستثمار العام والخاص، والتكوين الرأسمالي البشري، ويخفض الإنتاجية، كما أنه يخلق بيئة فاقدة للثقة في الحكومة، ويعطل عمل مؤسسات الدولة، ويقوض نجاح أي نظام ضريبي. نسوق هذا الكلام ونحن نشهد بوادر استشراء الفساد في كل مؤسسات الدولة، شاملاً تلك المعنية بمكافحة الفساد، وفي الكويت، الإصلاح الاقتصادي والمالي لم يعد خياراً، ولكن شرط استقرار وبقاء، والبناء غير ممكن إن شيد على قواعد متآكلة، وقدر فريق الإصلاح، حكوميا أو شعبيا، أن يقاتل على جبهتين. نقطة مضيئة في هذا الاتجاه جاءت الأسبوع الفائت من نائب في مجلس الأمة -رياض العدساني- بالتصدي لكشف تهم برشاوى لأعضاء حاليون وسابقون في السلطة التشريعية، وهو إجراء لابد أن يمضي إلى نهايته مهما كانت النتائج، ولا عذر للحكومة بالوقوف موقف الحياد، فالمتهمون شركاء رئيسيون في قرار الإصلاح، وتسويق الإصلاح يحتاج إلى قدوة.