مرافعة : هيئة الفساد وحقيقة الفراغ التشريعي!
بعد أن رفعت اللجنة القضائية برئاسة المستشار عادل بورسلي إلى وزير العدل فالح العزب تقرير تقصي الخلاف بين أعضاء مجلس الأمناء لم يعد أمام الوزير إلا المطالبة بتعديل قانون هيئة مكافحة الفساد، لتحرير الهيئة من صلاحيات مجلس الأمناء التي أصبحت عبئا كبيرا على عمل الهيئة، سواء الحالية أو حتى المقبلة، فالنتيجة التي خلص إليها التقرير لا ترتبط بوجود أشخاص محددين، وإنما بوجود نصوص معيقة لعمل الهيئة ولممارسة صلاحياتها المطالبة بتعديل قانون الهيئة تكون على حساب الدفع بمزيد من استقلاليتها بفرض وصاية إدارية عليها، كما يرغب الوزير الحالي في الدفع نحو التعديل من أجل بسط سيطرته على القرار الإداري في عمل هيئة الفساد وجعلها إدارة من الإدارات التنفيذية التابعة له، فتغدو الهيئة وأعمالها رهينة القرار الوزاري، بل وسيخشى مسؤولوها تحمل قرار إحالة الوزير المشرف إلى لجنة تحقيق محاكمة الوزراء إذا ماأثبتت التحقيقات جدية أحد البلاغات ضده.
لا يمكن القبول بتسويق تقرير اللجنة القضائية بتقصي الخلاف بين أعضاء مجلس الأمناء للوصول إلى فكرة تعديل القانون من أجل توسعة صلاحيات إدارية للوزير تحت ذريعة تحمل المساءلة السياسية، لأن ذلك لو تم لفقدت الهيئة استقلاليتها وفقدت الحكومة والمجلس من بعد ذلك مصداقيتهما في تقرير وجود هيئة تلاحق الفساد والمفسدين، بعد أن ساهما في وأد هذه الهيئة مجددا!فكرة التعديل التي تسوق يجب أن توجه إلى تجريم كل مصادر التمويل المالي غير المبرر في حسابات المسؤولين الحكوميين أو المكلفين بالخدمة العامة تحت أي مسميات، مادامت لا ترتبط بالدخل الحقيقي للمسؤول، فالنصوص الموضوعة اليوم والمقررة في جريمة الكسب غير المشروع لا تساهم في تجريم ما انتهت إليه النيابة العامة على الاقل في جرائم الإيداعات، لأنها تتطلب إثبات عدم مشروعية مصدر الأموال، وهي النتيجة التي قررت النيابة العامة حفظ قضية الإيداعات بسببها بأن أثبت المشتبه بهم مشروعية مصدر تلك الأموال وعدم تجريم المصدر لتلك الأموال، وهو ما يتعين على المشرع الوقوف عليه جيدا.ورغم القصور التشريعي المتعمد في قانون هيئة مكافحة الفساد والذي شارك المجلس السابق في إحداثه إلا أنه يتعين الحفاظ على هيئة مكافحة الفساد وإفساح المجال أمامها لتمارس كل الصلاحيات الممنوحة لها والتي كفلها قانون إنشائها، بل وتصديقا للأحرف التي سطرت في المذكرة التفسيرية لمرسوم الضرورة الصادر في نوفمبر عام 2012 والذي كشف سر وجود هذه الهيئة بأنه يعود إلى تفشي حالة الفساد في البلاد!