كيف تكون قائداً مخادعاً؟!
يبدو أن الولايات المتحدة، في عهد الرئيس دونالد ترامب، تواجه حكومة يحركها الغرور بشكل غير عاد، بل أسوأ من ذلك: في الشهر الأول من ولايته، يظهر أن ترامب يعمل على تعزيز الحكم عن طريق التركيز على الهوية.وتعكس الفوضى السائدة الآن على الساحة السياسية الأميركية ذلك، كما تستند السياسات إلى "حقائق بديلة" وإلى أساطير ترامب الخاصة باعتباره مليارديرا ورجل أعمال صريح (على الرغم من أن قصته السابقة مليئة بالثغرات). وأصبح الجهل بالقانون عذرا لخرقه ولتبني سلوك مشكوك فيه أخلاقيا، مثل دعوة ترامب للرئيس الوزراء الياباني شينزو آبي إلى منتجعه مارا لاغو، أو مهاجمة سلسلة المتاجر نوردستروم لإيقافها عرض منتجات الموضة الخاصة بابنته إيفانكا. (أعاد ترامب هجومه بالتغريد عبر "تويتر" على الشركة من حساب بوتوس الرسمي، وقام مستشاره كيليان كونواي ببث عرض إيفانكا على التلفزيون الوطني).ليس من المستغرب أن الأعمال التجارية، التي عادة ما تكون محكومة بالغرور المطلق، تُعِد استراتيجيات للتعامل مع حاجز التغاريد الرئاسية، وفي كل الأحوال لم يكن نوردستروم هدف ترامب الأول (على الرغم من أنه كان أول المجمعات التجارية الكبرى التي ارتفعت أسهمها ذلك اليوم). في الواقع تُجبَر العديد من الشركات على اتخاذ موقف حازم من ترامب، ومن أوامره التنفيذية اللا محدودة والمثيرة للجدل، ومن السياسيين الذين يساندونه في كل شيء، فهذا يشير إلى أن السلوكات والأعمال لن تبق كالمعتاد.
ومن المفارقات أن هذه البيئة الجديدة الغريبة تعكس جزئيا خلفية الأعمال الخاصة بترامب، فاعتاد ترامب تشغيل شركته الخاصة بواسطة فريق صغير، تم اختياره بناء على معايير خاصة به، وكانت نجاحاته وإخفاقاته خاصة به، فقد تمكن من اختيار ما ينبغي حجبه عن الرأي العام، وتمكن من بيع ما يحب الناس شراءه، على مسؤولية المشتري.أما وظيفته الحالية فهي قصة مختلفة، فبقدر ما يرغب ترامب في الادعاء بأنه وحده يمكنه إصلاح الولايات المتحدة، لكن الحقيقة هي أن الحكومة معقدة للغاية، فهي مؤسسة لا يستطيع شخص واحد إدارتها بإصدار الأوامر، كما لا يستطيع أن يخترع معايير أدائه الخاصة، لا سيما إذا كان ترامب يفضل الولاء الشخصي على المعرفة والخبرة، ولن يكون لإخفاقاته انعكاس سيئ عليه وحده، بل على البلاد بأكملها، كما سيعانيها معظم العالم.لكن هناك بعض القواسم المشتركة بين إدارة الأعمال وإدارة البلاد، ففي كلا المجالين، يتعين على القادة أن يعملوا لمصلحة المجتمع ككل، وليس فقط لدوائرهم الخاصة، سواء من الناخبين أو المساهمين، فالمبادئ الأساسية لإدارة العمل جيداً- بما في ذلك الشفافية والنزاهة والموثوقية والثقة والشرعية– تنطبق أيضا على القيادة السياسية.ما لا يستطيع ترامب تجاهله هو مبدأ محاسبة السلطة الرئاسية، ومن المؤكد أن الكونغرس الذي يقوده الجمهوريون (حتى الآن) لا يرغب في الوفاء بمسؤوليته بتقييد ترامب، فلم يرفض مجلس الشيوخ أياً من المسؤولين المعينين الذين اختارهم ترامب، على الرغم من افتقارهم للخبرة وعدم كفاية التدقيق (عضوان جمهوريان فقط صوتا ضد وزيرة التربية والتعليم بيتسي ديفوس). ومع ذلك قاومت السلطة القضائية إرهاب ترامب، فقد تم رفض أمر ترامب التنفيذي بمنع مواطني سبعة بلدان مسلمة من دخول الولايات المتحدة ثلاث مرات في المحكمة، ويقول البيت الأبيض الآن إنه لن يستأنف القضية إلى المحكمة العليا. لكن أكبر مراقب للسلطة في الديمقراطية هو الشعب، وفي الولايات المتحدة يبدو أن الناس قد خرجوا للتعبير عن آرائهم، بشكل سلمي ولكن بكل حزم.وبعد يوم من تنصيب ترامب قادت النساء أكبر احتجاج في يوم واحد في تاريخ الولايات المتحدة، وقام المواطنون بالاتصال بمحاميهم أو مشرعيهم للمطالبة بتمثيل أفضل لمصالحهم، وفي الآونة الأخيرة واجه مُمثل ولاية يوتا الجمهوري جيسون شافيتز، الآلاف من ناخبيه وهم يهتفون "قم بعملك!" خلال اجتماع في دار البلدية كان من المفترض أن يكون اجتماعا عاديا.ليس المنتخبون من تتم مراقبتهم فقط، فمنذ وقت ليس ببعيد اشترك المستهلكون والعمال وأفراد المجتمع في الربيع العالمي للمساهمين، والذي استهدف الشركات التي كانت تتصرف بسوء نية، من خلال مكافأة المديرين التنفيذيين الفاشلين، الذين استهانوا بالأنظمة البيئية، أو الذين لم يحترموا حقوق العمال، فنحن نشهد الآن حركة مماثلة مع رد فعل المستهلكين ضد الشركات التي تدعم إدارة تتبنى قيما يرفضونها.ربما ساهمت حملة (# امسك محفظة نقودك) في انخفاض مبيعات ملابس إيفانكا، ابنة ترامب (السبب الذي استشهد به المجمع التجاري نوردستروم وغيره وساهم في تبرير قراره لإسقاط صف هذه الملابس). عاقبت حركة (#حذف أوبر) الشركة التي ساهمت في تقويض إضراب سيارات الأجرة في مطار كينيدي بمدينة نيويورك لدعم المحاصرين في حظر السفر الذي فرضه ترامب، وساعدت في الضغط على الرئيس التنفيذي للشركة، ترافيس كالانيك، باستقالته من المجلس الاستشاري الاقتصادي لترامب. عندما أعرب الرئيس التنفيذي لشركة أرمور، كيفن بلانك، عن دعمه لترامب، أعلن الرياضيون المرتبطون بالعلامة التجارية عن معارضتهم، وأجبروا الشركة على إصدار بيان تتبرأ فيه من تصريحات بلانك.ترامب هو دراسة لحالة عدم القيادة، سواء في العمل أو في الحكومة، مع شوفينيته وتسريحة شعره، يبدو أن انتخاب ترامب كان نتيجة التفكير بالتمني والسلبية العنيدة للعديد من الناخبين، وربما كان هذا هو الدرس الحقيقي من رئاسة ترامب حتى الآن، فما لا يمكن تصوره يمكن أن يحدث، كما حدث في المملكة المتحدة، مع تصويت بريكست، وربما سيحدث الشيء نفسه في فرنسا، إذا فازت اليمينية المتطرفة مارين لوبان بالرئاسة، لكن ما يحدث في الديمقراطية هو فقط ما يسمح به الشعب.لوسي ماركوس | Lucy P. Marcus* الرئيسة التنفيذية لشركة ماركوس للاستثمارات والاستشارات.«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»