تشكل رئاسة دونالد ترامب اختبارا لأوروبا، وللعلاقات عبر الأطلسي، وبالنسبة إلى العالم ككلن وفي الواقع تتسم سياسة ترامب "أمريكا أولا"، في نواح كثيرة، بمعارضتها للسياسة الخارجية الأممية للولايات المتحدة المتبعة منذ العقود الثمانية الماضية.يقول ترامب بداية إنه يثق بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على حد سواء، فهل هذا يعني أن الولايات المتحدة ستواصل سياسة تساوي الفرص بين الاتحاد الأوروبي والكرملين؟
وهذا ليس سؤالا زائدا، فقد أوضح ترامب أن تأسيس الشراكات والتحالفات والقواعد والبروتوكولات تعني القليل بالنسبة إليه، وفي تغريدة على "تويتر" انتقد بشدة وسائل الإعلام، وهاجم قضاة مستقلين، واستهدف الأفراد والشركات، واستخف بالمنظمات الدولية.ولكن حتى لو كانت الولايات المتحدة تحت ترامب حليفة غير جذابة بالنسبة إلى أوروبا، فإن الشطب عليها كشريك لأوروبا- الذي يرغب البعض في أوروبا القيام به عاجلا لا آجلا- سيكون من الخطأ.ويتعين على أوروبا ألا تتجاهل أن غالبية الأميركيين لم يصوتوا لترامب، فالتزام المجتمع المدني الأميركي واستجابة السلطة القضائية الأميركية تظهر للأوروبيين أن الولايات المتحدة التي يعرفونها ويقدرونها لا تزال قائمة، وبدلا من الابتعاد عن الولايات المتحدة يجب التعاون مع الأميركيين الملتزمين بالحفاظ على قيم المجتمع عبر الأطلسي، وهذا يشمل أعضاء الإدارة الجديدة الذين عبروا عن دعمهم الواضح للشراكة عبر الأطلسي والاستمرارية، ناهيك عن معارضي ترامب في الكونغرس من الديمقراطيين والجمهوريين على حد سواء.وعلاوة على ذلك يعتقد أولئك الذين يفضلون قطع العلاقات مع الولايات المتحدة أن هناك شركاء في جميع أنحاء العالم يصطفون للدفاع عن النظام العالمي الليبرالي جنبا إلى جنب مع أوروبا، ومن الممكن أن يتفق الاتحاد الأوروبي مع الصين على أن حقبة جديدة من الحمائية ستكون ضارة، لكن أبعد من ذلك ليست لديهما أرضية مشتركة تذكر، وعلى المدى الطويل فإن النظام العالمي الليبرالي سيصمد فقط إذا كان مدعوما من ركيزتي الشراكة عبر الأطلسي.وأخيرا تُعتبر الدعوة لتصبح أوروبا الثقل الموازن للولايات المتحدة طموحا فقط، ففي الواقع لا يوجد مثل هذا الخيار، وعلى المدى القصير والمتوسط لا يمكن للأوروبيين الاستغناء عن ضمان الأمن الذي توفره الولايات المتحدة، ونتيجة لذلك علينا أن نعمل على إقناع الإدارة الجديدة بأهمية أوروبا الموحدة والآمنة.ومع ذلك فإن مجرد التكهنات حول فصل الأمن الأوروبي عن الولايات المتحدة يفسح المجال لعدم اليقين، المنعكس في النقاش الناشئ عن إمكانية قنبلة نووية أوروبية أو حتى ألمانية، إنه نقاش سطحي لأنه يفترض ما يجب أن يكون موضع تساؤل: هل هو حقا من مصلحة الأوروبيين قطع الحبل السري بشكل استباقي الآن، قبل أن تُقدِم الولايات المتحدة على أي قرارات ملموسة تؤثر فينا بشكل مباشر؟الخيار الوحيد الجيد بالنسبة إلى أوروبا هو التعامل مع الإدارة الأميركية بأكبر قدر ممكن- وهذا لا يعني التهوين من شأن التصريحات المقلقة التي أدلى بها ترامب، فعند حضور نائب الرئيس مايك بنس، ووزير الدفاع جيمس ماتيس، وعدد من أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي والنواب، مؤتمر الأمن في ميونيخ في نهاية هذا الأسبوع، على مندوبي الاتحاد الأوروبي الإفصاح عن توقعاتهم من الإدارة الأميركية بكل وضوح، فالانخراط والتأثير نوع من السياسة الواقعية الضرورية الآن، حتى لو كان العديد من الأوروبيين لا يحبذون الفكرة.وهذا يعني إبلاغهم، بمنتهى الوضوح، بأن كسر مستوى المصالح الأوروبية الحيوية من شأنه إحداث أزمة كبيرة عبر الأطلسي، فالسيناريو الأسوأ بالنسبة إلى أوروبا هو أن تنتهج الإدارة الأميركية سياسات تهدف إلى تفكك الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، الدعم الفعال للشعبويين اليمينيين، ومن المهم أيضا ألا يكون أي اتفاق بين روسيا والولايات المتحدة على حساب أوروبا، أما بالنسبة إلى الاتفاق النووي مع إيران فيجب أن تعلم إدارة ترامب أن أوروبا لن تفرض أي عقوبات جديدة على إيران إذا انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق من جانب واحد.وعلى أوروبا فرض نفسها اقتصاديا أيضا، فإذا أراد ترامب حقا إدخال نوع من الضرائب على السلع الأجنبية لترويج البضائع المصنوعة في الولايات المتحدة، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يهدد بفعل الشيء نفسه، وسواء كانت المشكلة هي الضرائب على الواردات أو مستقبل العقوبات الغربية ضد روسيا، فإنه من المفيد أن نتذكر حقيقة بسيطة وهي أن أوروبا لا تزال السوق الأميركية الأكثر أهمية، ويفوق حجم التجارة الأميركية مع الاتحاد الأوروبي بـ37 مرة حجم التجارة مع روسيا، بالإضافة إلى الاستثمارات المباشرة والضخمة المتبادلة بين الشركاء عبر الأطلسي.وحتى لو رفض ترامب هذه الاعتبارات، فعليه أن يفكر مرتين إلى أي مدى يريد دفع أوروبا، وعند نقطة معينة ربما ستكون الحملات الانتخابية المناهضة لترامب في أوروبا ناجحة جدا، ولن يستطيع تحقيق خططه دون شركاء أقوياء ووثيقين في أوروبا، وبالتأكيد إذا كان يعمل ضد أوروبا.ولكن يجب على أوروبا التركيز الآن، بشكل واضح، على نفسها، فنحن بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لتعزيز أمننا، ففي حين يبدو تغير كبير على الطريق، بما في ذلك زيادة التكامل بين القوات المسلحة في أوروبا، فإن الطريق نحو اتحاد الدفاع الأوروبي لا يزال طويلا جدا، وعلى ضوء الوضع العالمي غير المستقر، على ألمانيا، بالخصوص، مضاعفة جهودها في مجال السياسة الخارجية والدفاع ومساعدات التنمية.ولا يمكن تحقيق تماسك الاتحاد الأوروبي والأمن الداخلي والخارجي بدون تكلفة، فتجنب العجز في الميزانية، الذي تسعى إليه ألمانيا الآن، لن يكون له فائدة للأجيال القادمة إذا كان الثمن هو تآكل الأساس الرئيس لازدهارنا: أوروبا آمنة ومزدهرة.وبدلا من الانتظار والخوف من التغريدة المقبلة لترامب، ينبغي علينا- نحن الأوروبيين- وضع أسس لأوروبا قوية، وقادرة على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وملتزمة بالقيم الغربية، وبهذا الموقف يمكننا التأكيد بكل ثقة على مصالحنا الرئيسة وجها لوجه مع الولايات المتحدة، وهذا هو أفضل رد فعل لأوروبا.* فولفغانغ إيشنغر السفير الألماني السابق لدى الولايات المتحدة، ورئيس مؤتمر ميونيخ للأمن، وأستاذ للسياسة الأمنية والممارسة الدبلوماسية في كلية هيرتي للإدارة في برلين.«بروجيكت سنديكيت، 2017» بالاتفاق مع «الجريدة»
مقالات
كيف يجب على أوروبا التعامل مع ترامب؟
21-02-2017