"الواسطة" تملك أكثر من تعريف أغلبها "مش ولا بد"، هناك مشرك يجعل الأوثان واسطة بينه وبين ربه، وقانا الله وإياكم شر الشرك ما ظهر منه وما بطن، وهناك مشترك بخدمة "هذا ولدنا" حاصل على مميزات باقة القرابة الفاخرة كاملة، التي تمنحه واسطة بينه وبين رب عمله تصعده سلم الترقيات أو قل "أساسنير المناصب" بسرعة "لا مانع" ضوئية، وهناك شريك مصالح معينة مادية كانت أو سياسية واجتماعية، وواسطة شراكته طبعا تضرب له جسورا تصل بين ضفتي أحلامه وطموحه، غير المشروع طبعا في أغلب الأحيان. وهناك طبعا تعاريف أخرى ترسم لمصطلح الواسطة معناه، منها واسطة "دلع صوتك تاكل ملبن"، ووكيلها الحصري نائب الخدمات الغني عن التعريف، وكذلك واسطة عربان الأحزاب والحركات السياسة أو الفكرية و"كمان" الطائفية التي تمنح حصانة "سهود ومهود" لكل منتمٍ لها، فتعامل أخطاءه وهفواته إعلاميا تماما كما تعامل الفنان القدير سعد الفرج مع "الزعفراني" في مسرحية "على هامان يا فرعون"، حيث قال معترضا على كل من طعن فيه وشكك في علمه: "يبه هذا الزعفراني كذبته صج"!مصطلح الواسطة تطور طرديا مع تطورنا التكنولوجي، فمع الانفجار الإنترنتي العظيم خلال العقد الأخير وتشكل مجرة "السوشيال ميديا" بشموسها وكواكبها ونيازكها في كوننا الافتراضي ظهر أيضا قمر واسطة جديد، واتخذ مداره التفاعلي حول قضايانا ومشاكلنا، قمر واسطة مظلم من جانب ومنير من جانب آخر، ممكن تسميته بــ"واسطة التفاعل والاهتمام".
مع الأسف أغلب "هوامير السوشيال ميديا" دينهم ودين تغريداتهم يتبع المصلحة والمعرفة والتكسب فقط لا غير! يمارسون الواسطة حتى في القضايا الواحدة أو الموحدة مبدئيا إن صح التعبير. باختصار المبدأ "ضايع بالطوشة" في واقعنا الافتراضي يسير هائما على وجهه في "تايم لاين السوشيال ميديا"، فتتضخم قضايا وتتقزم بحسب القرب أو البعد أو المذهب أو المصلحة، قضايا المفروض أن سيناريو مبدئها واحد، لكنّ مظلوميها قد يصبحون أبطالاً في حين و"كومبارس" في أحيان أخرى. المهم أن رؤية مخرج "الرتويتات" الضيقة هو من يحدد البطولات و"الكومبارسية"، والأهم أن منتج التكسب الفاحش الفلورز "عاوز كده"، وطبعا هكذا أفلام لا يمكن أن تكون إلا أفلام مقاولات، ومثلها لن يظفر أبداً بأوسكار المصداقية، ومخرجها "حامض على بوزه"، فلن تقنع دراما نفاقه وكوميديا صولاته وجولاته إلا جماهير السذج أو المهابيل في قول آخر! وللأمانة لا أستثني من ذلك إلا قلة من المشاهير سخروا تغريداتهم ومقاطعهم لكل ذي حاجة، ووقفوا مع كل القضايا بمسطرة واحدة لا تميل ولا تحيد، تفاعلهم مجرد حب بالمبدأ وليس كرها أو "فزعة" لصاحبها المقرب، أو رجاء لمصلحة ما مرجوة تدرها عليهم مواقفهم، يبقى هؤلاء نجوما منيرة في سماء واقعنا الافتراضي، ويستحقون كل الشكر والإشادة من القلب، والله يكثر من أمثالهم.
مقالات
خارج السرب: واسطات «السوشيال ميديا»
22-02-2017