بالوقوف أمام مجموعته القصصية الأخيرة "السماء على نحو وشيك"، الصادرة في 2015، وروايته الجديدة "يكفي أننا معاً"، الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، بطبعتها الأولى 2017، يبدو القاص والروائي المصري عزت القمحاوي كأنه مهموم يناظر مرحلة عمرية بعينها. مرحلة هواجس أفول الشباب الجسدي، في مواجهة رغبات وآمال الروح المتجددة. والقمحاوي في مجموعته القصصية وروايته الأخيرة يتخيّر الرجل بطلاً لها من مختلف الزوايا. ما يلفت النظر في كتابات القمحاوي هو أنه يستل أبطاله من زحمة الحياة القاهرية الضاجة ببشرها وصخبها، لتأتي المدينة العتيقة الجديدة ببشرها وهمومهم وأوجاعها وشوارعها ومطاعمها كخلفية مكمّلة وحاضرة للحدث الروائي. كما يتحد القمحاوي مع لغته، فجُمله تكاد تكون معادلا موضوعيا للحياة القاهرية بلحظتها الراهنة وبكل ما يحمل ذلك من إسقاطات اجتماعية وفكرية وسياسية.
المحامي الناجح "جمال منصور" بطل الرواية، كونه الشقيق الأكبر، فلقد أفنى بإخلاص سنوات شبابه في رعاية إخوته بعد موت أمه وأبيه في يوم واحد. خمسة إخوة وبنت واحدة. اجتهد جمال لتوفير كل ما يمكن لهم، حتى غادروا البيت واحداً تلو الآخر، ولم يبق إلا الأخت الوحيدة "زينب"، التي تستعد للانتقال إلى بيت الزوجية. جمال يردد مقولته الأشهر: "لا يمكن حمل بطيختين في يدٍ واحدة". فهل سعيه لتأمين حياة إخوته جاء على حساب حياته هو؟ الرواية في محصلتها تميل لهذا الرأي. جمال منصور، نجح في شق طريقه كمحامٍ ملتزم وقادر على انتزاع أحكام لمصلحة موكلاته؛ فلقد "تخصص في قضايا الأحوال الشخصية، ولم يترافع في حياته إلا عن النساء"(ص5). عاش جمال علاقات نسائية عابرة مع بعض زبونات مكتبه. وكانت تلك العلاقات بمثابة العابر في حياته السائرة على وتيرة واحدة. لكن زيارة طالبة الدكتوراه "خديجة الباني" ابنة السابعة والعشرين المتحدّرة من أسرة ثرية له غيّرت حياته. بدأت خيوط علاقة إنسانية تمتد بينهما. ومعها بدأ هو بالانتباه إلى أن فارق السن حاضر في كل خطوة لهما. الحياة الراهنة واستخدام الهاتف النقال لعبا دوراً في أجواء العلاقة. لكن هذا العلاقة تنتعش روحها حين يسافران معاً إلى إيطاليا ويتنقلان بين أكثر من مدينة. أجواء الرواية حميمية كأكثر ما يكون الواقع وانعكاسه في حياة فنية بين جنبات الرواية. لكن هذه الحميمية لم تستطع الصمود في وجه فارق السن بين الاثنين. وكأن القمحاوي يبعث برسالة مفادها: لحظات الحب، مهما كانت عازمة على السير في طريق العلاقة الإنسانية، أعجز من أن تمحو آثار السنين. وهذا يبدو واضحاً من عنوان الرواية الدال "يكفي أننا معاً".يبدو النص الروائي منفتحاً على رمزية كبيرة في عدم قدرة القاهرة على رعاية قصة غرام بين رجل وامرأة. وتبدو الدلالة أوضح حين تزهر هذه العلاقة بين زوايا فنادق ومطاعم إيطاليا. فهل لذلك إسقاط في أن القاهرة، كرجل، وبالنظر إلى هموم ناسها، ما عادت قادرة على الحنو على أبنائها، وأنهم يمارسون مشاعرهم حين يسافرون إلى الخارج؟ أم أن المدينة التي رعت أبناءها وصلت إلى مرحلة من العمر ما عادت قادرة معها على أن تراعي البقية الباقية منهم، وتكتفي بأن تقدم لهم المكان والعيش دونما الحب وحتى الوصل الجسدي الكامل؟!الرواية تأتي بصيغة ضمير الغائب، فوحده الراوي كلي المعرفة يقود السرد، ويقدم ما يخص عوالم أبطالها وأحداثها ووصف أماكنها. وإذا كان كل كاتب يبث شيئاً من تجاربه الحياتية الخاصة بين زوايا نصوصه، فواضح أن القمحاوي حاضر في نصه، إنْ عبر لغته الموحية، أو عبر قناعاته الحياتية في مدينة القاهرة وما يجري فيها.الرواية مغامرة لعلاقة إنسانية، تمجّد في محصلتها الصداقة، ولسان حالها يردد: "يكفي أننا معاً".
توابل - ثقافات
«يكفي أننا معاً»
22-02-2017