هل يمكن التحكم في سرطان البيت الأبيض هذا؟
في الحادي والعشرين من مارس عام 1973، واجه مستشار البيت الأبيض جون دين الرئيس نيكسون بشأن فضيحة ووترغيت المتفاقمة، فحذر دين: "نواجه سرطاناً في الداخل، بالقرب من الرئاسة، يزداد نمواً يوما بعد يوم".تنطبق صورة دين المجازية هذه على إدارة ترامب اليوم، ليس لأن الخطر مماثل تماماً بل العكس. في عهد نيكسون اعتُبرت الإصابة بالسرطان أقرب إلى حكم بالإعدام، وخصوصاً أن الأدوات المتوافرة لمحاربته كانت بدائية وعنيفة. صحيح أن السرطان ما زال من أسباب الوفاة البارزة راهناً، إلا أن من الممكن في حالة كثيرين التحكم فيه كمرض مزمن والسيطرة عليه بفضل ترسانة من العلاجات.قد تكون وجهة النظر هذه إلى السرطان (ليس كقاتل متفشٍّ بل كمشكلة خطيرة تتطلب ضبطاً واعياً) الطريقة الفضلى لفهم إدارة ترامب والتعاطي معها. اتضح أن ترامب مخادع، وغير مستعد، وغير منضبط خلال الشهر كثير الاضطرابات الذي تلا تسلمه منصبه، وهنا ينشأ السؤال: هل من الممكن التحكم في مرض رئاسة ترامب المزمن؟
الوضع مقلق بالتأكيد، إلا أن التوقعات جيدة، فقد لاحظنا أدلة على علاجات فاعلة.العلاج الأول المحاكم: رغم كل انتقاداته للقضاة "المشينين"، أشار ترامب إلى أنه سينصاع لقرارات المحكمة، فحكم القانون يتغلب على حكم ترامب.العلاج الثاني وسائل الإعلام: فلا شك أن كل رئيس يستاء من التغطية الإعلامية ويغضب حيال التسريبات، لكن ترامب مختلف من الناحيتين الكمية والنوعية، مختلف في حجم الهجوم الذي يشنه، السم الذي ينفثه، وطبيعة هذا الاعتداء العلنية، ولكن لا أهمية لكل ذلك، فكما اكتشف نيكسون، وكما تشير الأخبار التي تقود إلى تنحية مستشار الأمن القومي مايكل فلين، يواصل المراسلون القيام بعملهم في وجه العدائية الرئاسية والعقبات التي توضع في طريقهم.رغم مساعي ترامب لاستغلال المؤتمرات الصحافية كوسيلة للتصدي لوسائل الإعلام "غير النزيهة"، يستطيع المراسلون انتهاز هذه الفرصة بفاعلية لمواجهة ترامب بشأن الأكاذيب التي يُطلقها والضغط عليه فيما يتفادى الأجوبة المباشرة. عندما كرر ترامب ادعاءاته المخادعة حيال فوزه الانتخابي الساحق، قائلاً إنه حقق "أكبر انتصار في المجمع الانتخابي منذ عهد رونالد ريغان"، واجهه بيتر ألكسندر من شبكة NBC News بالوقائع في الحال، وعند الاصطدام بأرقام لا يمكن دحضها، تراجع ترامب على ما يبدو: "لا أعلم. أُعطيت تلك المعلومة. أُعطيت، حسناً، رأيت تلك المعلومات في مكان ما، لكنه يبقى انتصاراً ضخماً، ألا توافقني الرأي؟".العلاجان الثالث والرابع الشعب والكونغرس: ويترافق هذان معاً لأن مخاوف الأول المتنامية تعزز تصميم الأخير المتراخي، لذلك من الأهمية بمكان أن تُظهر استطلاعات الرأي تراجع شعبية ترامب من 45% بعيد استلامه منصبه (علماً أنه أول رئيس يبدأ عهده بشعبية أدنى من عتبة الخمسين في المئة) إلى 40% الأسبوع الماضي، أي أقل من المعدل بنحو 21 نقطة.لكن الأرقام والأخبار السيئة (علماً أنهما مترابطتان) تحرك حتى المشرعين الأقل جرأة أو على الأقل مَن يتحلون منهم بمسؤولية وطنية كافية، ولاحظنا في نهاية الأسبوع بعض الإشارات إلى استعدد الكونغرس لخوض عملية بحث أوسع بغية التوصل إلى حقيقة معمعة روسيا هذه.أما العلاج الخامس فهو الموظفون: ولا تزال هذه المسألة غير محسومة، حيث أسدى فلين ترامب خدمة بالتنحي طوعاً. لكن آخرين في الأوساط المقربة من ترامب لن يقبلوا، سواء عن سوء نية أو عدم كفاءة، بالاستسلام بسهولة، إلا أن الحل الأكثر وضوحاً بالنسبة إلى البيت الأبيض، الذي يواجه مأزقاً كبيراً، يبقى مقايضة الداعمين الحقيقيين بأشخاص أكثر خبرة. ربما لم يصبح ترامب بعد مستعداً لتغييرات مماثلة، فضلاً عن ذلك قد تجعل أفضل من يسميهم البيت الأبيض في عهده يترددون في القبول، ولا شك أن قرار روبرت هوروارد رفض منصب فلين مثبط.بعد الشهر الأول الكثير الاضطرابات من المستحيل توقع الاتجاه الذي تسير فيه إدارة ترامب، وثمة أسباب عدة تدعو للقلق، ولكن قد نستمد بعض الطمأنينة من تذكُّر أن للجسم السياسي جهاز مناعة حصيناً.روث ماركوس** «واشنطن بوست»