يقرع فيلم "هامة" جرس الإنذار من التشرذم الناتج عن الاختلاف الطائفي والتعصب القبلي والانحياز الأعمى، محذراً من السقوط المدوي الذي يعقب استشراء هذه الأمراض في النسيج الاجتماعي.ويروي فيلم "هامة" الذي أنتجته شركة زين للاتصالات قصصا منتقاة من الواقع المعيش ضمن رحلة سفر، ويتتبع أضرار الاختلاف في النسيج الاجتماعي ومساوءه، فيعرض الفيلم بعض نماذج الركاب الذين أقلتهم الطائرة ضمن هذه الرحلة الجوية، فيسرد حكاية شاب يود الارتباط بفتاة، بينما يرفض أهل غالية زواج ابنتهم بعزيز فيقرر العاشقان الهرب لإتمام رغبتهما بالارتباط والعيش معاً، كما يسلط الضوء على حكاية حب لم يكتب لها الاكتمال بالزواج بين علي وعايشة.
إلى ذلك، يستعرض حكايات أخرى تدور في فلك الزواج غير المتكافئ لأسباب عائلية أو أسباب طائفية أو قبلية، كما حدث في إحدى الزيجات، إذ يكون الزوج بدوياً بينما زوجته حضرية، فترصد الاحداث الاختلاف في الثقافة والفكر بين الطرفين.
عمى البصيرة
وتمضي أحداث الفيلم ضمن هذا السياق في رصد أوجه الاختلاف في النسيج الاجتماعي، ورفض بعض الأفراد قبول الآخر، إضافة إلى استشراء التهكم والسخرية في المجتمع، فالكل ينصب نفسه وصياً على المجتمع ويضع نفسه في مرتبة أعلى من الكل، فلا يرى إلا نفسه، فإن كان مشهوراً في مواقع التواصل أثّرت فيه الشهرة فبات متغطرساً ينظر إلى الآخرين بدونية ينز عفنها برائحة تزكم الأنوف، فلا يجيد التعامل مع الآخرين، معتبراً نفسه الأهم بين الناس، كما كان يفعل الفنان عقيل الرئيسي في دوره في الفيلم.وفي مشهد، آخر يسترجع الجد الذي يجسد دوره الفنان عبدالعزيز الحداد ذكريات مؤلمة، حينما قرر التخلص من ابنته حينما اكتشف أنها تزوجت من شاب أثناء سفرها في الخارج، وبعد أن أحكم وثاق يديها ورجليها ووضعها في قارب في عرض البحر، طلب منها أن ترمي نفسها في البحر، فيقول بصوت متهدج: "طبي البحر.. خلصيني". ويتخلى هنا الأب عن عاطفة الأبوة ويتجرد من إنسانيته، فيدفعها إلى تنفيذ رغبته فلا يأبه إلى توسلات هذه الفتاة الموصومة بالعار بنظره، وبينما يتنهد الجد يعود إلى واقعه في الطائرة التي تجلس إلى جواره حفيدته الطفلة الصغيرة التي تسأل جدها: هل تراني ياجدي وأنت أعمى؟ فيأتي الجواب صادماً: نعم أراك، أنا أرى ما أريد أن أراه. في إشارة إلى أن الرجل الأعمى ليس من يفقد بصره، بل من يفقد بصيرته، الفيلم يحتوي على الكثير من الرمزية كما أن ثمة دلالات واضحة تظهر من لهجة الممثلين وأسمائهم.وفي ركن آخر من الطائرة، تجلس مجموعة من الفتيات إحداهن محجبة وتقرأ بعض الآيات، بينما الأخرى تضع الصليب في قلادتها، وفتاة ثالثة لا تكترث بما يدور من حولها فلا تحسن تقدير الأمور إذ تعيش في زمن آخر، وتعشق الفنان رشدي أباظة، وتدور حركة الكاميرا بنظرة فاحصة للركاب فترصد إحدى الفتيات تغني ومنسجمة مع ما تسمع، ويدور حديث حول اختلاف الأديان ونظرة الإسلاميين إلى معتنقي المسيحية وتتبادل النسوة الاتهامات، وكل طرف يقدم حجته وبراهينه.السقوط إلى الهاوية
وعلى وقع هذا التراشق في الحوار، يعلو صوت زوجة احتجاجاً على رأي زوجها الذي يقيدها ببعض العادات والتقاليد، في مشهد يتبع ذلك، يوضح أن ثقافة الاختلاف ليست منبوذة، بل إن سوء التعامل مع الآخرين وعدم صون كرامتهم والتعصب الأعمى وإقصاء الآخر كل هذه الأمور تقود الإنسان إلى الهاوية، فالإنسان يختلف أحياناً على ما يأكل وليس بالضرورة أن تأكل زينب ما تحبه عائشة، فالاختلاف وارد وأمر طبيعي في الحياة.وتطل مشكلات الرياضة في الفيلم، لاسيما أنها حديث الشارع، وأجاد الفنان حمد أشكناني في تجسيد دوره والتلوين في الأداء.واستطاع فريق العمل تقديم فيلم سينمائي جيد يدعو إلى الوحدة الوطنية، وجاء العمل مؤثراً جداً بقصته وإخراجه، كما أن الفنان بشار الشطي قدم دوراً جميلاً يحسب له، وكذلك أجاد عبدالله الباروني في أداء دوره في الفيلم.وعقب حدوث عطل في الطائرة، تسقط الطائرة في البحر، ويتكاتف الركاب لإنقاذ بعضهم، لكن حينما يأمرهم قائد الطائرة بتوزيع حصة الأكل بالتساوي فيما بينهم، يثورون في وجهه ويختلفون، بالرغم من الظرف الصعب الذي يعيشونه، وتستمر الخلافات. شكرا لكل فريق العمل لهذا الجهد المتميز، وهم بشار الشطي وعبدالعزيز الحداد وبيبي عبدالمحسن وعلي كاكولي وحمد أشكناني وريم ارحمة وزينب غازي وعقيل الرئيسي وفرح الهادي وروان مهدي. يشار إلى أن الفيلم من إخراج خالد الرفاعي وتأليف هبة مشاري حمادة.رسائل مهمة
يقدم الفيلم رسائل مهمة، منها الجملة التي قالتها الفتاة للمشهور المتغطرس:» أنت بتغريدتك دمرت حياتي، لأنك تراني نكتة بينما أنا أرى نفسي بطلة»، ربما هذه الرسالة المبطنة جاءت أيضاً تفسيراً لوجود الجرعة الكوميديا في الفيلم، لأن الانتماء والقضايا الوطنية لا يقبلان الضحك والسخرية. والرسالة الثانية، الجملة التي قالها الفنان عبدالعزيز الحداد: «الكويتيون يصلون جماعة هنا».