تعودنا منذ صدور الدستور على دعوات تطل علينا مطالبة بتعديله لتضمينه أحكاما جديدة تتعلق بتطبيق الشريعة الإسلامية، وذلك من خلال تعديل المادة الثانية من الدستور بإضافة "ال" التعريف إلى هذه المادة، وتعديل المادة 79 بإخضاع التشريعات الصادرة لأحكام الشريعة.وأقول إنه مع تقديري واحترامي لأصحاب هذه الاقتراحات، إلا أنني أرى أنه لا داعي لذلك، فالواقع القانوني الكويتي يكفي ويكشف عن وجود كم هائل من القوانين الدينية التي تجعل منا دولة طالبانية بامتياز دون أي حاجة لإضافة "ال" التعريف وإخضاع التشريعات على نحو ما هو مقترح، فواقع الحال يشهد وجود عدد كبير من التشريعات والقرارات وغيرها من الأنظمة التي تنطوي على ممنوعات تشمل مجالات عديدة متنوعة لا حصر لها، وهي لا تقتصر على منع أنواع معينة من المشروبات وبعض أنواع اللحوم، بل تمتد لتشمل أموراً أخرى مثل منع الذكور من العمل بصالونات التجميل النسائية، واقتحام ومداهمة منازل المحتفلين بأعياد الميلاد، ومنع تجنيس غير المسلمين، وعدم السماح لمعتنقي الديانات الأخرى، وكذلك المسلمين من مذاهب أخرى، بإقامة دور عبادة خاصة بهم وممارسة شعائرهم، بل وصل الأمر إلى قيام أحد مجالس الأمة المنحلة إلى إصدار تشريع يقضي بتطبيق عقوبة الإعدام على من ينتقد الصحابة، وقد اعتبر البعض هذا التشريع إنجازاً لذلك المجلس، وأتساءل هنا عن أي إنجاز يتحدثون؟
والممنوعات التي تطرقت لها لا تمثل سوى النزر اليسير من قائمة الممنوعات الموجودة فعلياً، وذلك يجعل من يغادر الكويت يتنفس الصعداء ويشعر بالراحة والحرية. وعند الحديث عن هذه الممنوعات فإن الحقيقة الأساسية التي تجب الإشارة إليها هي أنها تتعارض مع جميع قيم الديمقراطية ومفاهيمها، فلا يصح القول بأننا نعيش في دولة ديمقراطية تطغى عليها الممنوعات التي لا تمتّ للديمقراطية بصلة، ولا يمكن القول إننا دولة ديمقراطية طالما أن أنظمتنا تسمح للأفكار المتطرفة أيا كان مصدرها وتوجهها بممارسة العمل السياسي، فهذه الأفكار لا تقتصر على التوجهات الدينية فحسب، بل تمتد لتشمل عدداً لا حصر له من الأفكار الشمولية المتطرفة مثل القومية والقبلية والمذهبية والعائلية وغيرها من الأفكار المماثلة المدمرة لأي مجتمع، والتي يجب أن تبتر وتستأصل منه، بحيث لا يبقى مجال ممارسة العمل السياسي إلا لأصحاب الأفكار العاقلة المستنيرة المؤمنة بالرأي والرأي الآخر والتداول السلمي للسلطة، أسوة بما هو متبع ومعمول به في المجتمعات الديمقراطية المتحضرة التي استطاعت أن تصل بشعوبها ومؤسساتها إلى أعلى درجات المجد والحضارة، لذلك أشدد وأقول إنه يتعين علينا إصدار قوانين تنطوي على مثل هذه المفاهيم الراقية.وحول ما يطالب به البعض بإضافة "ال" التعريف إلى المادة الثانية فإنني أؤكد أن ذلك لن يجدي نفعا وتبعاتها ستكون ثقيلة، فاستحقاقاتها لن تتوقف عند هذه الإضافة بل ستتطلب استحقاقات أخرى، ومن ضمن الأمور المطلوبة في ظل الاختلافات الموجودة بين المسلمين تحديد نوع المذهب المراد تطبيقه سواء كان هذا المذهب سنياً أم شيعيا، وإذا تم تطبيق شريعة أهل السنّة، فإنه ونظرا لاختلاف توجهات أهل السنّة أنفسهم فإن الأمر يتطلب تحديد نوع التوجه سلفيا كان أم إخوانيا أم غيره وإلى آخر هذه السلسلة غير المنتهية من التوجهات الدينية. والأمر لا يقتصر على معرفة نوع المذهب المراد تطبيقه بل يستوجب أيضا النص على الهيئات التي ستكلف بتطبيق التعديلات مما سيقودنا إلى منزلقات أخرى تستدعي استحداث أجهزة جديدة وإلغاء أخرى قائمة وتناقضات وتداخلات أخرى لا حدود لها.لذلك أنصح المنادين بهذه التعديلات بالاكتفاء بما هو موجود، فالموجود حقق لهم كل ما يريدون بجعل الكويت دولة طالبانية بامتياز.
مقالات - اضافات
لا داعي لتعديل الدستور... الكويت دولة دينية طالبانية بامتياز
24-02-2017