في معرض تعليقها على نتائج انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة، تقول فاليري بيكريس: "عندما جرت تلك الانتخابات كانت فرصة لنا من أجل الترويج لإيل دو فرانس"، وهو الاقليم المحيط بالعاصمة الفرنسية باريس، حيث تم انتخاب فاليري بيكريس رئيسة له، ثم أعقب ذلك التحضير لحملتين اعلانيتين تعتمدان على نتائج الاستفتاء الشعبي الذي شهدته بريطانيا في شهر يونيو الماضي حول خروجها من الاتحاد الأوروبي. وقالت النسخة غير المستخدمة حول هذا الموضوع: "لقد قمتم باختيار جيد في قراركم، وعليكم اتخاذ قرار جيد آخر، عليكم اختيار منطقة باريس".لقد أضفى قرار بريطانيا المتعلق بالخروج من الاتحاد الأوروبي – البريكست – المزيد من الجرأة على موقف العاصمة الفرنسية، ومعروف أنه بمجرد خروج بريطانيا من السوق الواحدة في القارة الأوروبية فإن العديد من البنوك الدولية والشركات الاخرى التي اتخذت من لندن مركزاً لعملياتها وأنشطتها في الاتحاد الأوروبي سوف تفقد "جوازات السفر" التي تسمح لها بتقديم خدماتها الى العملاء في الـ 27 دولة الاخرى، وقد يكون من الممكن أن يستمر اعتراف متبادل بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بالأنظمة التنظيمية بينهما – ولكن ما من أحد سوف يكون في وسعه التعويل على سهولة ويسر الانتقال الى البريكست، بدلاً من الخوف من حافة الهاوية – ويستحسن في هذه الحالة افتراض النتيجة الأسوأ.
بداية الانسحاب
من المتوقع أن تبدأ بريطانيا في الشهر المقبل عملية الانسحاب من الاتحاد الأوروبي التي سوف تستمر لعامين. وفي ضوء اعطاء الشركات المالية الوقت اللازم من أجل الحصول على موافقات من الجهات التنظيمية لعملياتها اضافة الى العثور على مكاتب ثم نقل – أو تشغيل – موظفين كانت تلك الشركات تدرس وتستعرض الخيارات المتاحة لديها. وسوف تظل العاصمة البريطانية المركز الرئيسي في أوروبا ولكن بعض المدن الاخرى تسعى الى نيل ما تستطيع من مثل هذه الفرص.ويضغط الباريسيون بقوة واضحة، وهم يطرحون مدينتهم على شكل شريكة ونظيرة للندن. وتقول السيدة بيكريس "أنا لا أرى العلاقة مع لندن في صورة منافسة. والمنافسة ليست مع لندن بل مع دبلن وأمستردام ولوكسمبورغ وفرانكفورت". ويبدو أن المنافسة تتمحور حول فرانكفورت بصورة خاصة، ويوجد في العاصمة الفرنسية عدد أكبر من البنوك الكبيرة المحلية والشركات والمدارس الدولية، وبقدر يفوق ما يوجد في منافستها الألمانية. وقد توجه الباريسيون الى لندن خلال الشهر الحالي من أجل اطلاع 80 من المديرين التنفيذيين في البنوك ومديري الأصول وشركات الأسهم والتقنية الراقية على امكانيات العاصمة الفرنسية. ويهدف الباريسيون الى تبديد صورة فرنسا على شكل دولة تعمل على التدخل وذات ضرائب عالية وبقعة لا تصلح للعمل. وتصل معدلات ضريبة الشركات الى 33.3 في المئة ولكن من المقرر أن تنخفض الى 28 في المئة بحلول سنة 2020.كما أن الخطة التي تقضي بمنح اعفاء ضريبي الى ذوي الكسب العالي الذين عاشوا خارج فرنسا لمدة خمس سنوات على الأقل سوف تنطبق الآن لثمانية أعوام – وليس خمسة – بعد العودة. والاشتراكيون الذين يديرون المدينة نفسها اضافة الى الجمهوريين من فريق السيدة بيكريس قد دخلوا اليوم في ما يعرف باسم "اتحاد مقدس" صديق للعمل التجاري بحسب جيرار ميسترال، وهو رئيس مجموعة باريس يوروبلاس التي تعمل على تحسين وتطوير المركز المالي. ومن جهة اخرى تقلل السيدة بيكريس وجهات اخرى من خطر فوز مارين لوبان من الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة في الانتخابات الرئاسية التي سوف تجري في فرنسا في الربيع المقبل.اجتذاب بنوك أكثر
وبطريقة أكثر هدوءاً وبعيدة عن الضجة والصخب قال هوبرتوس فاث من مركز فرانكفورت المالي وهو نظير يوروبلاس في باريس إنه "واثق تماماً" من قدرة مدينة فرانكفورت على اجتذاب مزيد من البنوك والمصرفيين. وتتمثل الجائزة الكبرى بالنسبة الى السيد فاث في انهاء التجارة باليورو وهي العملية التي تهيمن العاصمة البريطانية عليها وتأمل باريس وفرانكفورت في الحد منها. وتجدر الاشارة الى أن البنك المركزي الأوروبي حاول في الماضي تحويل هذه العملية من لندن الى داخل منطقة اليورو ولكنه فشل في سنة 2015 عندما قرر قضاة من الاتحاد الأوروبي بأن البنك لا يملك السلطة المطلوبة للقيام بذلك العمل، ولكنه قد يعمد الى القيام بمحاولة ثانية لهذا الغرض بعد اتمام خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وقد تراجع بشكل نسبي نيكولاس ماكل من مركز لوكسمبورغ المالي وهو يقول إن الكل موضع ترحيب ولكن لم يتم تغيير أي معدلات ضرائب أو أنظمة. وعلى أي حال كانت الأعمال التجارية نشيطة بسبب خبرة هذا المركز مع مديري الصناديق – كما أن الصين تستخدم البنوك الكبرى في لوكسمبورغ مثل وجهة قارية.محاولات هولندية
وبعد بداية بطيئة حاولت هولندا أيضاً تحقيق مكاسب من أي "هجرة بريطانية" من الاتحاد الأوروبي، وقامت وكالة الاستثمارات الأجنبية الهولندية بتوسيع مكتبها الصغير في العاصمة البريطانية. وتوفر هولندا درجة عالية من جودة الحياة ويتكلم كل سكانها بشكل تقريبي اللغة الانكليزية. ولكن المركز المالي في أمستردام يفتقر الى مستويات فرانكفورت أو باريس كما أن تلك المدينة لا تملك العدد الكافي من المساكن والمدارس. ولا تطبق نسبة الحد الأعلى من الاعفاء التي تبلغ 20 في المئة على مكافآت رواتب المصرفيين على الرغم من أن وزارة المالية الهولندية قالت إن البنوك العالمية قد تصبح معفاة من ذلك في ظروف معينة.جهود دبلن
وتتوق دبلن الى اجتذاب مزيد من مديري الأصول، وتشعر البنوك المركزية الايرلندية بقلق ازاء امكانية توافر فرصة تنظيم تداولات معقدة ومتقدمة. ويضاف الى ذلك أن مدينة دبلن تفتقر الى العدد الكافي من المكاتب والمساكن والطرقات والمدارس الدولية. ويصعب حساب حجم الجائزة هنا، ويعتمد الكثير في هذا الصدد على الاتفاقية التي سوف تبرم بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي اضافة الى مطالب جهات التنظيم المتعلقة برأس المال والموظفين، وقد يكون في وسع البنوك أيضاً نقل البعض من أعمالها الى خارج أوروبا الى أماكن مثل نيويورك أو حتى الى هونغ كونغ وسنغافورة. ويحذر أحد المصرفيين من أن بعض الخدمات قد لا تتوافر على الاطلاق، ويظن السيد فاث أن فرانكفورت قد تشهد 10000 وظيفة اضافية أو أكثر من ذلك، ويقدر أرنود دو بريسون من يوروبلاس أن باريس سوف تكسب 10000 وظيفة "مباشرة" في ميادين العمليات المالية والتقنية العالية اضافة الى ما بين 10000 الى 20000 وظيفة في القانون والمحاسبة وغير ذلك من الوظائف ذات الصلة.وتجدر الاشارة الى أن لدى المؤسسات المختلفة أولوياتها الخاصة بها، وقال بنك اتش اس بي سي البريطاني الكبير، على سبيل المثال، إنه يتوقع نقل 10000 وظيفة الى باريس حيث يوجد فرع له هناك – كما أن بعض البنوك الاخرى لا تزال حذرة ازاء ذلك الموقع على الرغم من جهود الحكومة الفرنسية في هذا الشأن. وقد افتتح بنك يو بي اس السويسري الذي يقول أيضاً إن حوالي 1000 وظيفة في لندن عرضة للخطر فرعاً له في فرانكفورت في العام الماضي، ويبدو ذلك مثل قاعدة طبيعية على الرغم من تحدث بعض مديريه عن الانتقال الى مدريد. ومن المحتمل أن يتوجه البعض من مديري الصناديق الذين لم يذهبوا بعد الى دبلن أو لوكسمبورغ الى العاصمة الاسبانية، ويقال ان شركة التأمين لويدز وشركتي الأسهم الخاصة الأميركيتين بلاكستون و كارليل تفضل لوكسمبورغ كمركز لها في الاتحاد الأوروبي.وتقول كل المراكز المالية الأوروبية إن لديها مساحة كافية للقادمين الجدد – ويجب أن يكون ذلك صحيحاً في الوقت الراهن على الأقل، ويوجد لدى البنوك كلها قواعد في المراكز الرئيسية كما أنه بعد تقليص حجمها في السنوات الأخيرة لا تزال تحتفظ بمساحات شاغرة. ويقول جيمس مادوك من "كشمان&ويكفيلد" وهي شركة عقارية انه في أعقاب أزمة سنة 2008 أعادت البنوك في أوروبا 34000 وظيفة في مكاتبها الى أوروبا الشرقية وأكثر من 5000 وظيفة الى ايرلندا و14200 الى مدن بريطانية خارج لندن. ولكن في كل المدن التي تتسابق الى تحقيق مكاسب من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تظهر نبرة حذر تعبر عن التمني لو أن البريكست لم يحدث في المقام الأول.