لا خلاف بين مراقبي الأحداث التاريخية أن ما حفل به قرن واحد من القرون الأخيرة من أحداث يفوق عدداً وخطورة وإثارة أيضاً ما حفلت به تلك القرون الماضية!لكن سحر القديم يعطي للحدث التاريخي نكهة وعطراً نفتقدهما في أحداث القرون الأخيرة، وتحديداً القرن العشرين، ثم الربع الأول من القرن الواحد والعشرين، ومرجع ذلك إلى بعدنا عن تلك الأحداث، إضافة إلى ما يحيطها به المؤرخون من إضافات أكثرها مؤنّقة، ومزوّرة في كثير من الأحيان!
***• فلو أخذنا قصة الإسكندر الأكبر، مثلاً، نجد حياته القصيرة في غاية الإثارة والمغامرة والرومانسية، ولا تخلو من نذالة أيضاً. بل إن سيرة الإسكندر الأكبر -المقدوني- قد اختلطت في أذهان بعض المؤرخين العرب بتاريخ ذي القرنين الذي ورد ذكره في القرآن الكريم: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا ِإنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً﴾[الكهف 83 - 84] صدق الله العظيم.• ولكن ما أبعد الفرق بين الرجلين، فذو القرنين كان مؤمناً شديد الإيمان، إذ حمل لواء التوحيد في الشرق والغرب معاً، وملأ الآفاق بكلمة "توحيد إله واحد"، بينما الإسكندر المقدوني توغل بجيوشه اللجبة، منطلقاً من الجزر اليونانية، ليغزو ما يصادفه من البلدان حتى وصل إلى الهند، ولم يكن يؤمن بعقيدة سماوية، حيث كانت تنتشر في اليونان آلهة متعددة، وكلها أرباب خرافية، بل إنه لما دخل مصر عبَد "آمون"، وأقام له معبداً في واحة سيوه، وحتى في أرض التبت أخذ يتعبد لـ"بوذا"، بل يذكر تاريخه أنه تعبد لأشخاص كان يعيش معهم؛ مثلما عبد صديقه الشاب "هيمفيستيون"، بعد أن لقي هذا الأخير مصرعه!• وذو القرنين كان مصلحاً رحيماً، وتشير سيرته إلى وقوفه في وجه الفساد والمفسدين... بينما سيرة الإسكندر تؤكد أنه كان شخصية قاسية، وسفاحاً جباراً، وطاغية لا يرحم شيخاً ولا امرأة، بل إنه على صعيد خلقي كان متهتّكاً إلى أبعد حدود التهتُّك، كما كتب عنه أبناء جلدته ممن أرخوا له بمجلدات مطولة!
أخر كلام
ما حقيقة ذي القرنين؟!
26-02-2017