الجبير في العراق فجأة لإعادة العلاقات إلى مسارها الصحيح
«وساطات» مهّدت للزيارة غير المسبوقة منذ سقوط صدام وأبرز عناوينها مرحلة ما بعد «داعش»
• الرياض تحاول دعم بغداد لتحييدها عن المحاور الإقليمية ولجم المقربين من طهران
• وزير خارجية السعودية وعد العبادي ومسؤولين عراقيين بتعيين سفير جديد وفتح المعبر
وسط التطورات المتلاحقة التي تشهدها المنطقة، وفي خضم تحركات خليجية وتركية دؤوبة لتشجيع القوى السنية العراقية على بناء واقع جديد في المناطق المحررة من تنظيم داعش، وإعادة تأهيل هذه القوى التي أنهكتها سياسات رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، وممارسات التنظيم، لمواجهة الأفكار المتطرفة، قام وزير الخارجية السعودي أمس بزيارة لبغداد، هي الأولى لمسؤول سعودي كبير للعاصمة العراقية منذ سقوط صدام عام 2003.وتأتي زيارة الجبير بعد بضعة أشهر من طلب العراق استبدال السفير السعودي لديها ثامر السبهان بسبب تراشقات إعلامية قالت بغداد إن من الصعب احتواءها داخل التوازنات القلقة التي تحاول الحكومة الاحتفاظ بها إقليمياً ودولياً.والتقى وزير الخارجية السعودي لدى وصوله نظيره العراقي إبراهيم الجعفري، قبل لقاء رؤساء الوزراء حيدر العبادي، والجمهورية فؤاد معصوم، ومجلس النواب سليم الجبوري.
وبينما هنأ الجبير العبادي بـ«الانتصارات على العصابات الإرهابية»، مؤكداً دعم السعودية للعراق في «محاربة الارهاب»، أبدى «استعداد بلاده لدعم إعادة الاستقرار في المناطق المحررة».وأكد الوزير السعودي، في مؤتمر صحافي مشترك مع الجعفري، أن المملكة تقف على مسافة واحدة من جميع المكونات العراقية، لافتاً إلى أن «الزيارة تأتي لإعادة العلاقات الثنائية إلى مسارها الصحيح».ودعا إلى العمل على تبادل زيارات لمسؤولي البلدين، وتفعيل كل الملفات العالقة، كاشفاً عن رغبة في العمل لفتح منفذ «جميمة» بين العراق والمملكة، وبحث ملف فتح جسر جوي وتفعيل الطيران المدني بينهما.من جانبه، أكد الجعفري حرص بغداد على إقامة أفضل العلاقات مع المملكة وتفعيل المصالح المشتركة، ومواجهة المخاطر.وكشف الجعفري عن تكليف وكيل وزارة الخارجية العراقية بزيارة المملكة لمتابعة المسائل الفنية الخاصة بتفعيل المباحثات بين بغداد والرياض على كل الصعد، لافتاً إلى أن العراق متمسك بالعلاقات مع جميع دول الجوار «دون السماح لأحد بالتدخل في شؤونه الداخلية».وأعرب عن رغبة بلاده في زيادة حجم التبادل التجاري والاستثمار بين البلدين، وفتح معبر «جميمة»، وتسهيل حصول العراقيين على سمات الدخول، ومناقشة ملف تشغيل الخطوط الجوية المباشرة بين بغداد والرياض. وفي وقت أفاد مسؤول بوزارة الخارجية العراقية بأن الجبير أكد لمسؤولين عراقيين في بغداد أن الرياض تعتزم تعيين سفير جديد لدى العراق، أصدر رئيس البرلمان سليم الجبوري بياناً رحب فيه بزيارة الوزير السعودي رغم عدم لقائه.في غضون ذلك، ذكرت مصادر دبلوماسية عراقية بواشنطن للصحافيين أن المبادرة السعودية جاءت بوساطة أميركية، في إطار رغبة واشنطن في إحداث تعاون إقليمي واسع ضد موجة الإرهاب.وأشارت المصادر إلى زيارة وزير الدفاع الأميركي لبغداد قبل أيام في إطار استعدادات «البنتاغون» لوضع خطة شاملة لدحر «داعش»، طلبها الرئيس دونالد ترامب في غضون 30 يوماً أوشكت أن تنتهي، غير أن مصادر نيابية في بغداد ذهبت إلى أن الدور الأميركي كان محدوداً في هذا الإطار، مشيرة إلى أن الزيارة حملت أبعاداً كثيرة، وجاءت نتيجة «تصاعد» التعاون الأمني والاستخباري بين بغداد والرياض وإسطنبول، رغم التراشق الإعلامي المتواصل بين هذه العواصم.وتشير المصادر أيضاً إلى الزيارة التي قام بها رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم للعراق مطلع العام الحالي، رغم التوتر السائد بين البلدين، لأن تقدم المعارك ضد تنظيم داعش «لا يبقي خياراً أمام دول الجوار سوى اللجوء إلى أشكال تنسيق غير مسبوقة، للتعامل مع التحولات الخطيرة في أداء الجماعات المتطرفة».وذكرت مصادر في «التحالف الوطني» الشيعي الحاكم أن المداولات غير المعلنة بين بغداد والرياض وعواصم عربية أخرى مثل عمّان والقاهرة، لا تقتصر على الجانب العسكري والاستخباري، بل إن الجناح الشيعي المقرب من مرجعية النجف يريد الاستعانة بالحكومات العربية في إطار «تشجيع القوى السنية العراقية على بناء واقع جديد في المناطق المحررة من داعش».ويمكن أن تؤدي تركيا وأطراف خليجية عدة دوراً مهماً في إعادة تأهيل قوى سنية كثيرة أنهكتها سياسات رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، ولاحقاً ممارسات «داعش» التي لن يكون من السهل محو ويلاتها في كبريات المدن السنية.وتوضح المصادر أن دول الخليج يمكنها مساعدة بغداد بنحو كبير في دعم «القوى السنية المعتدلة» ضد التيارات العنفية التي تهدد جميع الأطراف، كما أن العراق سيحتاج إلى المساهمة الخليجية في إعادة إعمار المدن السنية المدمرة، كنوع من فتح صفحة جديدة تمنع ظهور تمرد مسلح آخر.ويواجه «المعتدلون الشيعة» في بغداد ضغوطاً من الأجنحة العراقية المقربة إلى طهران، لمنع أي مساعدة عربية في رسم مستقبل الإدارة بالمناطق السنية، ويمكن لهؤلاء تبديد آثار التفاؤل الذي ينتج عن زيارة المسؤول السعودي.ويرى مراقبون أن تركيا ودول الخليج وأيضاً إدارة ترامب تدرك ضرورة تشجيع العبادي ودعمه مقابل التهديد الذي تمثله الفصائل الشيعية المسلحة ومعها المالكي، الطامح إلى العودة للسلطة في انتخابات العام المقبل، والمعروف برفضه الحوار مع السنة، أو منحهم نوعاً من الإدارة الذاتية وفق النظام الفدرالي المنصوص عليه في دستور العراق.ولعل واحدة من أهم العبارات التي يسمعها العراقيون في آن واحد من واشنطن والرياض اليوم، هي ضرورة بقاء بغداد «طرفاً محايداً» في المواجهات الإقليمية، ويرد جناح العبادي في جلسات تداول خاصة، بأن الحياد هو «رغبة الحكومة، لكن الأمور ليست دائماً بيدها»، في إشارة إلى أن العبادي يكافح لاستعادة سيادة الدولة التي تتفشى فيها فوضى السلاح والتدخلات الخارجية والانقسامات العميقة.ويريد العبادي مدعوماً من مرجعية النجف، استثمار انتصاراته المتواصلة في الموصل، آخر معاقل «داعش»، في إعادة الهيبة للجيش، والتفرغ لاحقاً لضبط فوضى السلاح، وضمان العبور نحو انتخابات سليمة، رغم وجود أصوات تنادي بالاستعانة بنوع من الإشراف الدولي للحيلولة دون تدخل الميليشيات المقربة من طهران في مجريات التحول السياسي المقبل.