بغض النظر عن كل الشعارات الجميلة التي عُقد في ظلها مؤتمر إسطنبول، الذي حمل اسم "مؤتمر الخارج"، فإن المؤكد أن إسرائيل هي الأكثر سعادة به وبشعاراته، والأكثر ترحيباً بالدعوة لإلغاء اتفاقيات أوسلو، وما ترتب عليها من إنجازات. نعم إنجازات، للقضية الفلسطينية وللشعب الفلسطيني، مَن في الداخل منه ومَن في الخارج، وأول هذه الإنجازات هو اعتراف الأمم المتحدة بدولة "فلسطينية" تحت الاحتلال، وقبول السلطة الوطنية عضواً في العديد من الهيئات والتنظيمات الدولية الفاعلة، وتأييد ومساندة العالم، بمعظم دوله، لحل الدولتين، الذي أصاب بنيامين نتنياهو بالرعب، وجعله يذهب إلى واشنطن، للاستنجاد بالرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب.

إنه لا يحق لـ"سبعين" شخصية من الفلسطينيين، بينهم عدد من أعضاء المجلس الوطني، أن يطالبوا بـ"كنس" القيادات الفلسطينية وبـ"إلغاء أوسلو" وليفتحوا أبواب المنظمة لـ 13 مليون فلسطيني، وكأن هذه المنظمة التي كرَّستها قمة الرباط العربية في 1974 ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني يجب أن تتحول إلى هيئة شعبية مشرعة الأبواب لكل من هبَّ ودبَّ، ولكل عابر سبيل، وكأنها ليست هيئة محكومة بمجلس وطني عريض، وبمجلس مركزي، وبلجنة تنفيذية، وعلى أساس تمثيل كل الفصائل المقاتلة والهيئات والمنظمات الشعبية كلها دون استثناء تنظيم واحد، هذا بالإضافة إلى العديد من الكفاءات والشخصيات الوطنية.

Ad

ثم إنه لا يجوز، بل هو عيب، وصف قادة المنظمة بأنهم "عواجيز"، وخاصة أن هذا الاجتماع الذي عُقد في إسطنبول بغطاء الإخوان المسلمين وفراشهم، فيه من الشخصيات المحترمة من تزيد أعمارهم على عمر الرئيس محمود عباس (أبومازن)، الذي عندما أُسست "فتح" عام 1965 كان لا يزال بحدود الثلاثين من عمره... فالأعمار بيد الله، والمعروف أن فيدل كاسترو، قائد الثورة الكوبية المظفرة، بقي في موقع المسؤولية حتى تجاوز التسعين من عمره.

كان على الـ 70 شخصية الفلسطينية بدل الدعوة إلى الـ"كنس" وإلغاء ثمرة كفاح سنوات طويلة، الذي هو السلطة الوطنية (دولة فلسطينية تحت الاحتلال)، أن يسعوا إلى تعزيز الوحدة الوطنية، وأن يمارسوا ضغطاً فعلياً على "حماس"، التي عرض عليها أبوعمار، رحمه الله، وأنا شاهد على هذا، نصف عدد أعضاء المجلس الوطني، لكنها رفضت الانضواء في إطار هذه المنظمة وكل هيئاتها، ولتمارس الإصلاح من الداخل، بدل هذه "العبثية" التي كان فرح الإسرائيليين بها باتساع الكرة الأرضية كلها.

هناك ملاحظات كثيرة على اتفاقيات أوسلو، لكن في كل الأحوال غير صحيح أنها كانت أكثر المصائب، وأنه يجب تدميرها، وأنها حوَّلت أعظم ثورة في التاريخ إلى خادم للاحتلال.

إن هذا كلام غير صحيح إطلاقاً، وأن الصحيح هو أن الإسرائيليين أكثر سعادة به، لأن تخلصهم من أوسلو، وما ترتب عليها، سيخلصهم من استحقاق حل الدولتين. ولأن البديل ليس ثورة جديدة، في ظل هذه الأوضاع العربية المتردية، إنما هو شتات وعودة إلى ما قبل عام 1965 عندما كان الفلسطيني يتجنب ذكر هويته الفلسطينية المعنوية على أي حدود وفي أي مكان من الكرة الأرضية.

لقد انطلقت الثورة الفلسطينية في الخارج، وكان الاتفاق بين المؤسسين الأوائل على اسم "العاصفة" على شاطئ "الصليبيخات" في الكويت، وكان ولا يزال معظم قادتها من هذا الخارج، ومن بينهم محمود عباس (أبومازن)، الذي لجأ مع أهله من صفد في فلسطين إلى دمشق، والذي كان ضمن المجموعة الأولى التي أسست حركة "فتح"، وأطلقت الرصاصة الأولى في الفاتح من عام 1965.