جسد معرضك «أرض واحدة – شيفرة الذات» حالة من التواصل بين الفنان والمتلقي. كيف توصّلت إلى هذه الآلية؟

Ad

أتت تجربة معرضي الأخير تحت خلفية فلسفية خاصة تجسد حالة صوفية للنفس أو للذات في استحضار كل ما يبهجها من خلال العملية الإبداعية. كما ترتاح النفس في حالة الصلاة والتعبد في فلك صوفي، تتوصّل من خلال اللمسات المتراكبة المرتجلة الطازجة المطعمة بالرموز الخاصة بالذات، كالطائر أو الزهرة، إلى الرضا عن المنتج الفني الصادر، ومن هنا أتى مسمى «شيفرة الذات»، أي صنع ما يشكل قوامها وأهواءها الخاصة.

من ناحية أخرى، يمكن للمتلقي أن يشارك في تلك العملية ويضيف إليها باختياراته الخاصة، من خلال الجزء التفاعلي الذي قدمته في العرض، سواء بانتقائه ثلاث شرائح تمثّل مقاطع من الأعمال عبر ثلاثة من أجهزة الكمبيوتر وتتراكب شفافياتها فوق بعضها بعضاً لتكوّن ناتجاً مختلفاً عن الأعمال المعروضة، أو في شق تفاعلي آخر باستخدام شفافيات بلاستيكية طبعت عليها أعمال التجربة وتتراكب اختيارات المتلقي الثلاثة وتحتها منضدة مضيئة لتظهر لوحة مستحدثة، ذلك ما يفسر مصطلح «الأرض الواحدة»، فهي الأرضية المشتركة بيني كفنانة وبين كل متلقٍ متفاعل مشارك بعمل جديد في التجربة ليصبح فناناً بدوره.

كيف جاء رد فعل الجمهور إزاء العرض؟

أبهج العرض الحضور الذي شعر برقة خامة الألوان المائية، كما ذكر كثيرون، وشبّه البعض الكثير من التكوينات بسحاب السماء في تراكماتها الشفافة، مهما بلغت درجة قتامتها أو دكانتها، فهي في النهاية شفافة، أو بمسحات من سطح الأرض خاصة بالتراكبات ذات المجموعات اللونية الترابية. وفيما تبقى مشاركة المتلقي الحالة الإبداعية للفنان في المعارض نادرة عادة، استمتع زوار معرضي بالجزء التفاعلي وسط أجواء موسيقية روحانية موحية، وكان لهذا وقعه خصوصاً على طلابي في الكلية، فبدوا وكأنهم في حالة من النشوة وهم يصورون أعمالهم الناتجة عن التفاعل لينشروها لاحقاً على مواقع التواصل الاجتماعي.

الألوان المائية

كيف كانت تجربتك مع الألوان المائية، تلك الخامة صعبة التطويع؟

خامة الألوان المائية مظلومة ولم يقدَّرها الحقل الفني كما يجب إلا في ما ندر في تاريخ الفن المصري الحديث. إلى جانب تصنيفها بأنها خامة صعبة وُصفت بأنها ضعيفة، أو صُنعت للرسومات التحضيرية، ذلك بعد استخدام مواد أخرى مساعدة لها كأقلام الرصاص أو الأحبار، كذلك لا يمكن استخدامها إلا في الأحجام الصغيرة للأعمال. رغم ذلك، أرى أن تأثيرها ووقعها على النفس قوي فهي «جبارة».

اعتمدت تجربتي المستحدثة في تقنية الألوان المائية على اكتشاف أقصى درجات إمكانات الخامة المائية، فأعطت شفافيات وطبقات لدرجات الألوان الفاتحة والداكنة، وحاولت سبر أغوارها والغوص في دواخلها للخروج بحالة إبداعية تتآلف فيها ملامسها المختلفة، الناعم منها والخشن، مع درجات رشح المجموعات اللونية طازجة اللمسات، والوصول إلى أن تكون للمسة حواف وحدود خطية من ترسبات اللون حول المساحة اللونية. تعاملت معها باحترام كيانها المائي ورقة لمساتها على السطح القطني بكميات متفاوتة من الوسيط المائي واللون، مستخدمة الأنواع المختلفة للفرشاة، المستديرة والمروحية والمبططة والمستطيلة، الصغيرة منها والكبيرة، والجافة للاحتكاك المقاوم للسطح والمبللة، ذلك للإتيان بتكوينات مختلفة متراكبة مكثفة الطبقات، إما أن تحتل جزءاً كبيراً من الفراغ، أو يطغى المسطح الأبيض أحياناً على التكوينات المبسطة معطياً الإيحاء بفضاء مقدس سرمدي، تسبح فيه الأشكال المرتجلة الحسية للألوان.

ما الذي أضافه إليك هذا المعرض؟

كل تجربة جديدة تضيف إلى الفنان دوماً خبرات أو تطوراً لتاريخه الفني. إنه معرضي الفردي العاشر للتصوير بتقنيات مختلفة، والثاني للألوان المائية. كانت لي تجربة سابقة في التعامل مع الخامة في عام 2014، لكن بطريقة مختلفة وبتمازجها مع خامات أخرى على السطح. وبعد نجاح فيها، قررت أن أخوض التجربة مجدداً بإعطاء تفرد للخامة واكتشاف إمكانات أوسع لها، مع إدخال العرض التفاعلي في الافتتاح.

من ناحية أخرى، حظيت بشرف تناول المعرضين ضمن دراسات أجراها الفنان والناقد محمد كمال عن مجموعة فناني الألوان المائية في التاريخ الفني المصري الحديث في كتابه الأخير، وهو في طريقه إلى النشر، عن الألوان المائية. كذلك أعطى تجربتي صفة التفرد في تاريخ فن الألوان المائية منذ عام 1925 وقت ميلاد جماعة الدعاية الفنية بقيادة الفنان العظيم حبيب جورجي إلى الآن، على حد قوله. بالإضافة إلى كتابته عن التجربة في مطوية معرضي الراهن، وبالطبع شرفت بتصنيفي إلى جوار عمالقة الألوان المائية في مصر.

طقوس وحكايات

هل ثمة عادات أو طقوس خاصة تمارسينها خلال الرسم؟

بالتأكيد. لديَّ قناعة بأن لكل فنان مناخاً للإبداع. بالنسبة إلى تفضيلاتي، أحب أن أرسم بعد شحذ وجداني بمدخلات بصرية وسمعية عدة لانطلق بعد ذلك في الرسم، فأتأمل في يومي الأفق، خصوصاً البحر والسماء في المساحات الخالية من البشر، مع سماع ما أفضله من مقطوعات موسيقية أثناء الرسم لاستقطار أقصى درجات الصفاء للنفس. في تجربتي الأخيرة، أحببت الموسيقى المتسمة بالصوفية والروحانية توازياً مع الحالة، والمساء هو وقتي المفضل للإبداع.

هل تستطيعين البوح بكل ما يجول في خاطرك للوحتك، وكيف تصنفين علاقتك بها؟

لا أستطيع القول إن الناتج الإبداعي يحمل كل ما في نفس الفنان بنسبة مئة في المئة، فالناتج إما يحبط توقعاته أو يدهشه، وعلاقتي بالسطح تشبه علاقة الناسك بالمحراب، فهي صوفية فيها الحب والاستعطاف وانتظار المَن لبهجة وانشراح النفس.

خلف كل لوحة حكاية. ما أبرز الحكايات التي تحملها لوحاتك؟

لي حكايات جميلة عدة مع أعمالي أبرزها، أنني منذ بدء التجربة منذ ما يقرب من سبعة أشهر، قررت أن أشارك أصدقاء الفضاء الافتراضي أجزاءً من المنتج الفني يومياً تقريباً مع اقتران الصورة المنشورة بجملة من إصداري الخاص أو ببيت من شعر شهير، ولاقى هذا التفاعل الافتراضي صدى ناجحاً كبيراً، فأصبح ثمة شبه انتظار لأعمالي اليومية، بالإضافة إلى أن أهم حدث هنا كان تفاعل الناقد محمد كمال مع إصدارات التجربة المتوالية ليشهد ميلادها ثم نضوجها، محدثاً علاقة جديدة تفاعلية بين الفنان والناقد.

نبذة

نيفين حسين الرفاعي من مواليد الإسكندرية، أستاذة مساعدة في قسم التصوير منذ يونيو 2013 في كلية الفنون الجميلة بجامعة الإسكندرية. تشارك في الحركة التشكيلية المصرية والدولية منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي في معارض وبينالات وورش عمل ومؤتمرات ولجان تحكيم، ولها تسعة معارض فردية خاصة أحدها في مدينة روما، وآخرها في مقر جمعية محبي الفنون الجميلة بالقاهرة في نوفمبر 2015. أقامت عدداً من ورش العمل والمعارض لطلاب الفنون مع عدد من الندوات، كذلك لها دراسات نقدية ومقالات منشورة في عدة مطبوعات ثقافية، فضلاً عن حصولها على جوائز وشهادات تقدير عدة.