نواصل مع د. أحمد حسن إبراهيم تصوراته واقتراحاته عن الكويت، في نهاية القرن الحادي والعشرين، كما طرحها في كتابه "مدينة الكويت: دراسة في جغرافيا المدن"، عام 2009 تحدث د. إبراهيم عن العمالة غير الكويتية وبعض الحلول التي جربت لحل مشاكل التركيبة السكانية والعمالة الخارجية.

وتقدم باقتراحات كذلك حول تزايد السكان الكويتيين مطالباً بالحد من زيادة النسل، مقترحاً "تقييم الوضع الديمغرافي الحالي للسكان الكويتيين والنظر بعين الاعتبار إلى أهمية خفض معدلات نموهم من خلال خطة مرحلية تعمل على ضبط هذا النمو بطريقة تدريجية تسمح بإحلال تدريجي للعمالة الكويتية محل العمالة الوافدة، وقد يستلزم الأمر في فترة مقبلة- ليست بعيدة- ضرورة اتباع سياسة تنظيم النسل بين الأسر الكويتية والحد من تشجيع الإنجاب بشكل مباشر أو غير مباشر كما هي الحال الآن، وذلك حتى يمكن الوصول بعدد سكان الكويت إلى الحجم الأمثل المتوافق مع حجم الموارد المتاحة إلى حد كبير".

Ad

ويحذر د. إبراهيم في تحليله لمستقبل نمو الكويت خلال القرن الحالي من تركيز الانتباه كله على مشاكل العمالة الوافدة، كما تسمى، وإهمال التفكير بمستقبل حجم العمالة الكويتية، ويقول في (ص486): "إنه من الخطر والخطأ الكبيرين أن تتجه السياسة السكانية الجديدة، وتولي كل اهتمامها بقطاع السكان الوافدين، وتهمل الاهتمام في الوقت نفسه بقطاع السكان الكويتيين الذين يقدر أن يصل عددهم وفقا لمعدلات نموهم الحالية إلى نحو 13 مليون نسمة في نهاية هذا القرن، ويعد ذلك وضعا ديمغرافيا غير مقبول، وخاصة في ضوء المتغيرات الاقتصادية المتوقعة، وأهمها إمكانية واحتمال نضوب النفط والغاز الطبيعي الموردين الرئيسين للدخل القومي. إن الأمر في حاجة إلى دراسة مستفيضة موضوعية لبحث هذا البعد الديمغرافي المهم وصياغة سياسة سكانية تعالج هذه المشكلة بقدر كبير من الحكمة حتى يتحقق للأجيال القادمة من سكان الكويت حياة آمنة مستقرة".

ولا تقلق الزيادة السكانية بالضرورة الكثيرين، وقد تحمل كذلك فوائد اقتصادية واجتماعية وعسكرية في رأي هؤلاء، ولكن ما يقلق هؤلاء عدم نجاح الدولة حتى الآن في تنويع موارد الدخل وبناء اقتصاد منتج، والتخلص من الدولة الريعية القائمة على النفط. ويقلقهم كذلك تردي إنتاجية قوة العمل الكويتية الحالية، وبخاصة في الوظائف الإدارية، وتكدس الموظفين في الوزارات، فما العمل إن تضاعفت الأعداد الحالية مرات ومرات، واتسعت الفجوة بين قدرة الدولة التوظيفية وعدد الكويتيين، حيث معظم اعتماد الباحثين عن الوظائف على الحكومة.

ويشيد د. إبراهيم بالسياسة الإسكانية التي تراعي مطالب حتى المطلقات والأرامل وأسر الشهداء، وتوفر للجميع الأراضي وقروض البناء إلى جانب بدلات الإيجار. ورغم ذلك برزت مشكلة قوائم الانتظار وتراكم الطلبات رغم أن معدل البناء نحو عشرة آلاف وحدة سكنية كل عام.

فما تأثير تزايد السكان على هذه المشكلة وهذه الطلبات المتنامية، وهل يمكن للإسكان في الشقق والدبلكس أن يقدم حلا ناجعا؟

ويرى د. إبراهيم أن الأرض الصالحة للبناء قد تندر مع تزايد السكان وامتداد الحواضر، حيث "يقدر عدد المساكن في منتصف هذا القرن بنحو 475 ألف وحدة سكنية". ومن الحلول المقترحة منذ سبعينيات القرن الماضي إنشاء مجموعة من المدن الجديدة، ويقول: "يقدر المخطط الثالث والأخير للكويت أن يصل عدد سكان الكويت إلى نحو 3.8 ملايين نسمة في عام 2015، ويرى أنه في نطاق مدينة الكويت الكبرى يمكن استيعاب 2.3 مليون نسمة، بينما يمكن أن تستوعب المدن الجديدة المخطط إنشاؤها نحو 1.5 مليون نسمة، بحيث تستوعب مدينتا الصبية والخيران نحو 500 ألف نسمة، ويرى المخطط تطوير خمس مدن تابعة تقع معظمها غرب المدينة الحالية، بحيث يمكن أن تصبح مدنا مكتفية ذاتيا على المدى البعيد، وهي مدن المطلاع على الحدود الشمالية مع العراق والراحية وأمغرة والصليبية والشدادية. ويتوقع المخطط أن تستوعب هذه المدن الخمس نحو مليون نسمة على المدى البعيد دون أن يحدد كيف يمكن لهذه المدن أن تكتفي ذاتيا، وما الركيزة الاقتصادية التي سوف تدعم وجود كل منها".

ومن الأفضل في اعتقاد الباحث "ألا تبتعد المدن الكويتية الجديدة المزمع إنشاؤها عن ساحل البحر كثيرا إن لم تقع عليه بشكل مباشر". ويرى الباحث أن النطاق الساحلي جنوب منطقة الشعيبة الصناعية "قد يكون مؤهلا لإنشاء مدينة أو اثنيتن، على أن يكون للمدينة الجديدة ركيزة اقتصادية يعتمد عليها سكانها بحيث يسكنون ويعملون في نطاق هذه المدينة وفي رحلة عمل قصيرة للغاية". (ص490).

وهكذا تثار في حل المشكلة الإسكانية القضية الاقتصادية التي أشرنا إليها، والتي لا يمكن توفير ركائز اقتصادية إنتاجية يعتمد عليها السكان في المدن المقترحة دون تنويع وتجديد الاقتصاد.

ويقف د. إبراهيم عند مشكلة المرور "أزمة المرور والاختناقات المرورية"، باعتبارها أعقد المشكلات التي يعانيها سكان "العواصم المتروبوليتانية"، فيقول: "وتمثل مشكلة المرور إحدى المشكلات البارزة التي يعانيها سكان مدينة الكويت، يحس بها من يزور الكويت في زيارة عابرة بينما يعانيها سكانها بشكل حاد ودائم على مدار اليوم، وخاصة خلال رحلتي الذهاب والعودة من العمل، هذا على الرغم من أن مدينة الكويت تختلف عن تلك العواصم في كونها مدينة مخططة رسم نموها العمراني وحدد الكثير من ملامح الحياة الحضرية بها تخطيط علمي دقيق، ورغم ذلك فقد وقعت مدينة الكويت في هذا الكمين الذي نصبه لها العديد من العوامل المتشابكة المسببة لهذه الكثافة المرورية العالية التي تفوق كثيرا الطاقة الاستيعابية لكثير من شوارع المدينة وتسبب اختناقات مرورية حادة".

ومن أسباب تفاقم الأزمة المرورية سيادة ظاهرة ملكية السيارة الخاصة، نحو ثلاث سيارات لكل أسرة في المتوسط عام 2005 لجميع السكان، في حين يزيد هذا العدد بلا شك في الأسرة الكويتية، ومن أسبابها الدور الهامشي للنقل العام، وعزوف الكويتيين شبه التام عن استخدام هذه الوسيلة، وكذلك تشتت مناطق العمل.

ومن القضايا المهمة في مستقبل الكويت مع نهاية القرن قضية المياه، فمن الصعب، يقول د. إبراهيم، عند الحديث عن مستقبل مدينة الكويت تجاهل قضية المياه وضمان الحصول عليها، وتقول الدراسات التي أجريت إن معدل الاستهلاك اليومي للمياه: "قد زاد خلال الفترة بين عامي 1995 و2000م بنسبة 38% بمعدل سنوي يبلغ 7.6% وهو معدل يتطلب ترشيدا للاستهلاك، وفي ضوء الوضع المائي الحالي الذي يبلغ فيه معدل استهلاك الفرد نحو 106 غالونات يومياً- وهو معدل يعد من أعلى المعدلات على مستوى الوطن العربي- فإنه من المتوقع في منتصف القرن الحالي أن يصل استهلاك المياه إلى نحو 441.5 مليون غالون في اليوم، في حين يبلغ إجمالي الطاقة الإنتاجية حاليا نحو 480 مليون غالون يومياً، وهو ما يتطلب إنشاء أربع محطات تحلية جديدة، بالإضافة إلى المحطات القائمة في ذلك الوقت، وتشير الدراسة أيضا إلى أنه من المتوقع أن يصل حجم الاستهلاك المتوقع في نهاية القرن الحالي إلى نحو 1465 مليون غالون يومياً، بينما تبلغ الطاقة الإنتاجية نحو 1520 مليون غالون يوميا، وهو ما يتطلب وجود 31 محطة تحلية حتى يمكن إنتاج هذه الكمية من المياه، مما يعني أنه يصبح مطلوبا إنشاء محطة تحلية جديدة خلال القرن الحالي بمعدل طاقة إنتاجية تبلغ نحو 48 مليون جالون في اليوم، أي بواقع محطة كل ثلاث سنوات ونصف تقريباً، وهو أمر في غاية الصعوبة". (ص494).

ولما كانت الكويت تستخدم النفط في تقطير مياه البحر لإنتاج مياه الشرب والكهرباء، فإن مشكلة توافر المياه مع نهاية القرن ستتحول إلى مشكلة بترولية كذلك.

"وتكشف الأرقام عن أن كمية المياه المتوقع إنتاجها في منتصف القرن الحالي تتطلب نحو نصف مليون برميل نفط في اليوم على أساس أن معدل الطاقة اللازمة لتحلية مليون غالون من المياه في اليوم يبلغ 1095 برميلا، وأن الطاقة التي تتطلبها كمية المياه المتوقع إنتاجها في نهاية هذا القرن تبلغ نحو 1.8 مليون برميل في اليوم، أي ما يعادل نحو 90% من إجمالي إنتاج الكويت من البترول في نهاية القرن الماضي". (الصفحة نفسها).

ومن البدائل المطروحة في مجال توفير المياه العذبة إعادة تنقية مياه المجاري للاستفادة منها في المجال الزراعي وري الحدائق وربما غسيل السيارات، التي لا يعرف أحدكم كم سيكون عددها في شوارع الكويت أو ربما لا تكون موجودة عام 2100، ويقول الباحث إن إحدى الدراسات قد أظهرت أن مياه الصرف الصحي "لا يتم الاستفادة منها بشكل تام وكامل، ويتم إهدار جزء كبير منها بصرفها في البحر".

ومن البدائل كذلك جلب المياه العذبة من دول الجوار ممثلة تحديداً في إيران والعراق، ويقول د. إبراهيم إن هناك مشروعا بين الكويت وإيران لنقل المياه العذبة من "سد كرخي" عبر خط أنابيب طوله نحو 540 كم ينتهى عند الساحل الجنوبي للكويت بالقرب من مدينة الزور، وقد تم توقيع اتفاقية هذا المشروع عام 2001، ولكن حتى الآن لم يدخل حيز التنفيذ". غير أن الباحث يحذر في الوقت نفسه من "الاعتماد بشكل شبه رئيسي على مورد مائي مستورد، ويجب إعادة النظر فيه على ضوء المخاطر الأمنية".

ختاماً، يتضح من كل القضايا السكانية والإسكانية، وقضايا الماء والمرور التي يثيرها الدارسون، أن الكويت بحاجة ماسة إلى أن تولي هذه القضايا أكبر الاهتمام، ولا أدري إن كان في الإدارة الحكومية أو غيرها جهة منظمة تدرسها وتعد الحلول لها!