القيمة غير السعر، تلك أبجدية اقتصادية، السعر معني بالتكاليف مضافة لهامشٍ من الربح، القيمة شيء آخر، إنها تلك التي تتخطى الحاجة لتصبح احتياجا، هي التي نحن على استعداد لإعطائها لشيء لا ضمانة بامتلاكه، فيما السعر الذي ندفعه مقابل أي شيء يكفينا حقا للمطالبة بامتلاكه، القيمة غير قابلة للمساومة، في حين هامش المساومة في السعر قد يتسع، ليصل إلى حدّ الخسارة في بعض «الصفقات»، القيمة يحددها المستفيد، لأنه الوحيد الذي يعرف مقدار حاجته لما سيحصل عليه مقابل هذه القيمة، بينما السعر يحدده المالك وظروف العرض والطلب.

إن ما يدهش في هذا الموضوع، أن الأشياء التي نحصل عليها بسعر ما مهمها كان باهظاً لا يمنحها قيمة لذاتها، بل يمنح أهمية للسعر الذي دفع مقابل الحصول عليها. الأكثر دهشة، أنه مهما امتلكنا من الأشياء التي لها سعر، فإن ذلك لن يمنحنا الإحساس بالغنى، إنما أقصى ما قد يمنحنا إياه هو الشعور بالتباهي!

Ad

إن إدراكنا لهذا الفرق بين القيمة والسعر هو الذي يشكل طعم ونكهة الحياة في أفواه أعمارنا، ويرسم الملامح الدقيقة لوجه أيامنا، فكلما حرصنا في حياتنا على اقتناء كل ما له سعر فقدنا قيمة مقتنيات العمر من ناس وأشياء ولحظات، وأصبحت حياتنا أقرب ما تكون «لفاترينات» المحلات التجارية، كل قطعة معروضة في تلك «الفاترينة» ملصق بها سعرها الذي دُفع للحصول عليها: أحباؤنا، أصدقاؤنا، منازلنا التي نسكن، ملابسنا التي نرتدي، سياراتنا، ساعات أيدينا، أحذيتنا، وكل بقية إكسسواراتنا التي تُرى بالعين المجردة. كل قطعة من هذه القطع تنبئ عن سعرها، وفي المقابل، فإنه من المتعارف عليه أن كل ما له سعر معروف، فهو عرضة للشراء، وللبيع أيضاً!

إن كثيراً من الذين اختاروا أن تمتلئ زوادة حياتهم بالأشياء التي تحمل سعرها، استغنوا في لحظة ما عن حمل تلك الزوادة الثقيلة على ظهور أعمارهم، واختصروا ذلك بأن ارتدوا زيا موحدا صُنِع من «للبيع»!

إن إغراء الأشياء التي لها سعر، شهيّ ومخيف حدّ الغرق، يقود إلى تمزيق قيمة الفرد قطعا عصية على البعث من جديد، إلا أن هذه الحقيقة المهينة لإنسانيتنا مهما بلغت قسوتها لن تقتل فينا، نحن البشر العاديون، حب التملك ولذة اقتناء أشياء لها سعر، والمحظوظون منا هم الذين ملأوا زوادة حياتهم، بما استطاعوا من تلك التي لها قيمة، وبذلوا جهدا أقل في ملئها بالأشياء التي لها سعر، فبعض التي لها سعر يرتبط بالقيمة أيضا، لأنه رفاهية، والرفاهية احتياج إنساني لتزيين لوحة الحياة، وضرورة لمحبتها، حتى وإن كان لكل رفاهية سعر. لكن، لنتذكر أن الحياة تسألنا دائما، وبصوت هامس وفي كل صبح جديد ساعة نفتح أبصارنا وبحضور إنسانيتنا شاهدا: هل نريد لذلك اليوم قيمة أم سعرا؟!

لنجعل حياتنا بالنسبة لنا قيمة وليست ثمينة، فالحياة سرّها ليس في سِعرها!