اقتصرت إدارة ترامب حتى اليوم على الخداع والوهم، والصياح والغضب، والظهور بمظهر الضحية المزعوم، والتغريدات المستاءة. أين الخطوات الفاعلة؟ وأين الكفاءة؟ وأين الدعم الشعبي الذي لا ينفك يتراجع؟

تُعتبر شعبية ترامب، التي تبلغ 41%، أدنى ما أشارت إليه استطلاعات رأي مؤسسة غالوب بالنسبة إلى رئيس في هذه المرحلة المبكرة من عهده، ولا عجب أن ترامب لا ينعم بأوقات هانئة، فقد شهد اليوم الذي تلا تسلمه منصبه أكبر تظاهرة في تاريخ الأمة، لكن بلوغ العلاقة بين رئيس الولايات المتحدة والشعب هذه الدرجة من التعقيد يستغرق عادةً بضعة أسابيع إضافية.

Ad

صحيح أن معظم مَن صوّتوا لترامب ما زالوا يقفون إلى جانبه، إلا أنهم يشكّلون أقلية، ومهما حاول لم يمحُ ترامب واقع أنه خسر الصوت الشعبي، ولم يقدّم الرئيس الجديد ما قد يجذب المشككين إلى صفه، وبدلاً من ذلك لا ينفك يزيد حلفاءه السياسيين قلقاً وخصومه استياء.

ولكن لمَ تشعر القيادة الجمهورية بالقلق، من أداء ترامب في البيت الأبيض حتى اليوم؟ افتقرت طريقة إعداد خطوة الإدارة الأكثر جرأة وشمولية حتى الآن (قرار تنفيذي يمنع اللاجئين حول العالم ومواطني سبع دول إسلامية من دخول الولايات المتحدة) وتطبيقها إلى الإتقان والحرفية، حتى إن المحكمة الفدرالية سارعت إلى وقفها. ونتيجة لذلك غرّد ترامب، الذي يدّعي أن هذا التدبير ضروري لمنع حصول اعتداء إرهابي، بتهور أن القضاة يتحملون المسؤولية "إن وقع طارئ ما"، ويُعتبر هذا رد فعل طبيعياً من ترامب: يصب جام غضبه على الآخرين كي يخفي إخفاقه. أعلن ترامب أيضاً أن قراراً آخر يوسّع كثيراً عدد المهاجرين، الذين لا يحملون أوراقاً وينتظرون الترحيل، ويشير إلى بداية "العملية العسكرية" لطرد "أشخاص سيئين بحق"، لكن وزير الأمن الوطني جون كيلي سارع إلى التوضيح أن الولايات المتحدة "لن تشهد عمليات ترحيل جماعية" وأنها "لن تلجأ إلى القوة العسكرية"، كذلك أشار المسؤول الإعلامي في البيت الأبيض شون سبايسر في وقت لاحق إلى أن ترامب كان يستعمل كلمة "العسكرية" كصفة، قاصداً على الأرجح "غير العسكرية".

لا بد من طرح السؤال: ما مدى اطلاع الرئيس نفسه على سياسات إدارته؟ لا يبدو مطلعاً عليها بحق، إذ أخبر وزير الدفاع جيمس ماتيس المراسلين في بغداد أن الولايات المتحدة "لم تدخل العراق لتستولي على نفط أحد"، بعدما ذكر ترامب في خطاب في مقر وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أنه كان على الجنود الأميركيين القيام بذلك بالتحديد. علاوة على ذلك أعلنت سفيرة الولايات المتحدة إلى الأمم المتحدة نيكي هالي: "ندعم بالتأكيد حل إقامة دولتَين" للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، بعدما عبّر ترامب عن رأيه ذاكراً ألا حل لإقامة دولتين أو دولة واحدة سيجدي نفعاً، كذلك طمأن نائب الرئيس سبنس القادة الأوروبيين بأن الولايات المتحدة ما زالت "ملتزمة بالكامل" بحلف شمال الأطلسي، مع أن ترامب يسعى إلى علاقات أفضل مع بوتين، الذي يعمل على زعزعة استقرار هذا الحلف وتقويضه في النهاية.

وبالحديث عن روسيا، تتراكم الأسئلة حول العلاقة بين حملة ترامب وروس يعملون مع نظام بوتين أو على تواصل معه، وتُعتبر هذه المسألة متفجرة خصوصاً أن الحكومة الروسية تدخلت بفاعلية، وفق مسؤولي الاستخبارات الأميركيين، في انتخابات نوفمبر في محاولة لتعزيز فرص ترامب بالفوز.

دعا داريل عيسى (ممثل كاليفورنيا الجمهوري)، النائب المحافظ المتشدد الذي لا يُعتبر صوت التسويات بين الحزبَين، المدعي العام الخاص إلى التحقيق في المزاعم الروسية، وأضاف عيسى أن على المدعي العام جيف سيشنز التنحي لأنه شكّل جزءاً من الأوساط المقربة من حملة ترامب، صحيح أن القادة الجمهوريين في الكونغرس يرفضون اليوم الدعوات المطالبة بتحقيق عام شامل يقوم به الكونغرس، إلا أن المعلومات التي تُكشَف تدريجياً قد تدفعهم إلى الاستسلام.

في هذه الأثناء، يبدو أن مصير قانون "الرعاية الصحية بأسعار معقولة" سيؤدي إلى أزمة سياسة ضخمة، ففي دور البلدية المكتظة حول البلد يسمع الجمهوريون الأصوات المنددة للناخبين الذين سيخسرون التأمين الصحي في حال توقف العمل في هذا القانون ولم يُستبدل في الحال، علماً أن هذه كانت خطة الحزب الجمهوري، لكن هذا الحزب أدرك أخيراً أنه ما من خطوة في مجال الرعاية الصحية تمر مرور الكرام، سواء كانت سلبية أو إيجابية. قد تظن أن الرئيس منهمك بالكامل في بعض هذه المسائل، لكن هذا غير صحيح، وبدلاً من ذلك كان يشن حرباً سخيفة ضد وسائل الإعلام. صحيح أن تنديده بما يدعوه "أخباراً كاذبة" قد يلقى الاستحسان بين قاعدته، غير أنه لا يترشح راهناً للرئاسة، بل يُفترض به أن يؤدي عمله.

* يوجين روبنسون | Eugene Robinson