طرح تقرير لجنة التنمية الاقتصادية، الذي صدر هذا الأسبوع، مجموعة من علامات الاستفهام حول السياسات الاستشارية التي يقوم بها واحد من أهم المجالس العليا في الإدارة الحكومية.

فالتوصيات التي قدمتها اللجنة التابعة للمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية، الذي يترأسه رئيس مجلس الوزراء سمو الشيخ جابر المبارك ويضم في عضويته 5 وزراء إلى جانب 26 عضواً آخرين جلهم من الوزراء السابقين والقياديين ومجموعة من رجال الأعمال، لا تعدو- أي التوصيات- عن كونها تنقسم إلى قسمين، أولهما بديهي لا يحتاج أصلاً إلى أي توصية، والآخر عمومي ويحتاج إلى برنامج عمل تنفيذي أكثر من طرحه كعنوان عام، خصوصاً في القضايا الاقتصادية الخلافية.

Ad

تأكيد المؤكد

فمثلاً عندما يوصي المجلس الأعلى التخطيط بضرورة ضبط المصروفات، وترشيد الإنفاق على المهام الرسمية، وتنويع مصادر الإيرادات العامة، وأهمية أن يرافق إعداد الميزانية العامة للدولة خطة واستراتيجية إصلاح اقتصادي، وسرعة تطبيق قوانين حماية المنافسة وحماية المستهلك وقوانين المنافذ والمستودعات، ووضع سقف للإنفاق الحكومي، فإنه يوصي الحكومة ببديهيات أعمالها، التي لا تحتاج أصلاً إلى توصية، فلا توجد حكومة تبتغي الرشد في العالم لا تعمل على ما ورد أعلاه من متطلبات، ومن ثم فإن التوصية بتنفيذها أتت من باب تأكيد المؤكد.

عموميات وخلاف

أما القضايا الاقتصادية الخلافية، والتي يدور معظمها حول سياسات الخصخصة كبيع جميع الشركات المحلية المملوكة للدولة أو أجزاء من الشركات النفطية، إلى جانب بيع كمية من الأصول العقارية بالمزاد سواء كان ذلك للأصول المملوكة حالياً للدولة، فإنها وردت في التوصيات بقدر عالٍ من العمومية، ودون حديث عن أثر هذا التوسع في عمليات الخصخصة على سوق العمل، واحتمالات نشوء بطالة بين الشباب، فضلاً عن محدودية تجارب الإدارة العامة في إدارة عمليات خصخصة كبرى كالتي أوصى بها التقرير.

وإذا كان يحسب للتقرير ربطه فرض الضريبة والرسوم بالتدرج واختيار التوقيت المناسب، وإن كان بدرجة عالية من العمومية، فإن رهانه على "مشروع الكويت 2035"، الذي يخلو من آليات المتابعة التنفيذية مثله مثل وثيقة الإصلاح الاقتصادي والمالي التي صدرت قبل المشروع بـ11 شهراً، كان محبطاً، ويعطي انطباعات بأن التدقيق والمناقشة في التفاصيل أمور ثانوية في سياسات لجنة التنمية والمجلس الأعلى للتخطيط.

خطتان

وكان الأجدر بالمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية أن يتساءل عن جدوى صدور خطتين اقتصاديتين حكوميتين خلال أقل من عام، كلتاهما لا يركز على حل المعضلات الأساسية في الاقتصاد الكويتي، لاسيما إصلاح الإيرادات العامة وسوق العمل وغيرهما، وإن تطرق لهما دون تحديد للبرامج التنفيذية.

لم يعد دور "الأعلى للتخطيط" منحصراً في جانبه الاستشاري، فالمجلس بموجب القانون رقم 307 لسنة 2007 له دور تنفيذي تضطلع به أمانته العامة كإعداد مشروعات برامج عمل الحكومة والخطط الإنمائية ومتابعة تنفيذها وتقديم تقارير دورية في هذا الشأن، كما أن القانون رقم (7) لسنة 2016 نص على أن صلاحيات "الأعلى للتخطيط" تتضمن رسم السياسات واقتراح خطط التنمية وتقديم توصيات إلى مجلس الوزراء لاستصدار أي قانون أو نظام، أو لاتخاذ أية إجراءات قد يراها ضرورية أو نافعة لتحقيق أهداف أو لزيادة فعالية الاستراتيجيات التنموية، كما يتمتع بحق الحصول من الوزارات والهيئات والمؤسسات والشركات المملوكة للدولة تماماً على جميع البيانات والتقارير.

إمكانات

وبناء على ما سبق، فإن التوصيات المقدمة والتي تتراوح بين البديهيات والعموميات لا يمكن تقييمها إلا بأنها أقل بكثير من الإمكانات المتاحة لهذا المجلس حسب القانون، وكان المطلوب أن يقدم "الأعلى للتخطيط" آراء ومقترحات عن أسباب عدم تنفيذ الحكومة للعديد من التوصيات السابقة على مدى السنوات الماضية، خصوصاً أن ما ورد من توصيات حالية معظمه مكرر في تقارير سابقة حتى قبل أزمة انخفاض أسعار النفط، فضلاً عن دراسات موسعة عن آثار الخصخصة واختلالات وحلول التركيبة السكانية وسوق العمل ومقترحات لتنمية الاستثمار الأجنبي والأوعية الضريبية.

بل إن من القضايا المهمة التي أغفلها التقرير مناقشة دخول الكويت سوق الديون السيادية لتمويل عجز الموازنة، إلى جانب السحب من الاحتياطي العام في إدارة أضاعت سنوات من الفوائض المليارية دون أن تحسن عملاً في تطوير الاقتصاد وبيئة الأعمال والتنافسية وجذب الاستثمار، مما يرفع من درجة المخاوف من مخاطر التعثر في السداد خلال السنوات المقبلة إذا كانت إدارة الدين العام بعقلية إدارة الفوائض المالية نفسها.

نادٍ ووجاهة

لا يجدر بالمجلس الأعلى للتخطيط والتنمية، الذي من مهامه وضع البرامج والاحتياجات التنموية ودراسة المشاريع واختيارها وتحديد جدواها واختيار البرامج المقترحة بشكل تفصيلي ومراجعة تحليل الأثر التنموي لكل المشروعات وتحديد الأولويات، أن يكون نادياً للوزراء السابقين والقياديين المتقاعدين، أو يكون مجلساً للوجاهة عبر إشراك رجال أعمال بلا تطوير اقتصادي حقيقي، فالتقارير الإنشائية في سنوات سابقة لا يمكن القبول بتكرارها في أوقات حرجة كالحالية، لاسيما مع وجود توجه حكومي لإحداث تغييرات كبرى معلنة في بنية الاقتصاد يصاحبها إدارة عامة أقل بكثير من مستوى التحديات.