لماذا اللهجة الحادة تجاه الوافدين؟!
تتصاعد في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الإلكتروني الاجتماعي في الكويت لهجة حادة تجاه المقيمين العرب والأجانب في البلاد، تحملهم من خلالها مسؤولية تردي الخدمات العامة والزحام وغياب فرص العمل لأبناء البلد، ويصاحب ذلك استغلال سياسي من بعض السياسيين للترويج لأنفسهم عبر ذلك الخطاب الحاد، وإن كنا لا نطعن في نوايا كل من طرح قضية خلل التركيبة السكانية والزيادة الكبيرة في عدد الوافدين من أجل معالجة سلبيات ذلك وتأثيره على الكويت اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً.الوافدون إلى الكويت بنسبة تقترب من الـ100 في المئة دخلوا إلى البلاد بدعوات رسمية، لأن حدود الكويت مؤمّنة بالكامل، ولا توجد هجرة غير شرعية عبر الحدود، كما يحدث في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية وأستراليا، إذاً فإن وجودهم في الكويت هو مسؤوليتنا جميعاً كمواطنين وقطاع حكومي وقطاع خاص، والأخير هو المسؤول الأكبر عن أعداد الوافدين الموجودين بيننا، لذا لا يمكننا أن نحمل المقيمين نتيجة قراراتنا، أو نوجه لهم أي ملامة أو نعايرهم بمنّة.
في الواقع أن القطاع الخاص، بصفة محددة، والأسر الكويتية أيضاً أصبحا مدمنين لـ "العمالة الرخيصة"، سواء كانوا عمالاً في الشركات والمؤسسات الخاصة أو العمالة المنزلية، وهي حالة ترهق الدولة وتستنزف مواردها، وتهلك الخدمات العامة من مرافق وطرق وبصفة خاصة المرافق الصحية التي ما عادت تتحمل هذا الضغط الضخم عليها من الوافدين، إضافة إلى الأموال الهائلة التي تحولها العمالة الوافدة من عملات أجنبية إلى الخارج دون سداد أي رسوم أو ضرائب عليها.بالتأكيد أن معالجة هذا الوضع أصبحت مسؤولية وطنية على كاهل كل مسؤول سياسي أقسم على رعاية مصالح الكويت وحفظ مالها العام، ولكن ذلك لا يتطلب تأجيج لغة العداء والكراهية ضد الوافدين الذين يعيشون بيننا ويسيّرون أمور وطننا، ويقدم معظمهم خدمات مهمة للبلد، خاصة إذا كانت هذه الحالة تستهدف الغمز واللمز على جنسيات عربية بعينها، ربما تؤدي إلى حالة عداء وشرخ في العلاقات مع شعوب شقيقة نملك معها روابط تاريخية مميزة.أعضاء مجلس الأمة مطالبون بأن يجدوا الحلول لاختلال التركيبة السكانية وتكلفتها على الدولة، لكن مع مراعاة أن البلد في توسع مستمر وتنفيذ خطط تنموية كبرى يحتاج بسببها إلى عمالة ماهرة ومتوسطة وعامة، عن طريق دراسات فنية وتشريعات شاملة تحفظ حقوق الدولة والمطالب الشعبية وحقوق الوافدين، دون أن يصاحب ذلك أي نوع من التهييج الإعلامي والتصريحات الاستفزازية التي تمس المقيمين في البلد، وخاصة أن المنطقة تمر بظروف استثنائية أمنية وسياسية، وأي طارئ سيحدث سيتطلب تماسك الجبهة الداخلية وتعاون جميع مكوناتها من مواطنين ومقيمين.وكذلك على إخواننا وأصدقائنا المقيمين أن يعوا أنه لا توجد دولة في العالم، سواء كانت في أوروبا أو القارة الأميركية توفر وظائف للأجانب من دون أن يدفعوا ضرائب دخل ورسوماً على تحويلاتهم الخارجية، ويتحملوا نفقات علاجهم، وفي الكويت لا يمكنها كسائر دول العالم والدول النفطية، بسبب الأزمات المالية وتراجع الإيرادات، أن تستمر في السخاء المفرط الذي كنا عليه طوال السبعين عاماً الماضية بتقديم جميع الخدمات المجانية والأرباح والدخل والتحويلات المعفاة من أي رسوم أو ضريبة، كما أن خدماتنا العامة من صحة وخلافه تحتاج إلى مشاركتكم معنا لكي لا تنهار، وفي جميع الأحوال فأنتم أشقاؤنا في الإنسانية، وستظل الكويت أرض الخير والعطاء للجميع.