انتهت الأعياد الوطنية المجيدة في الأسبوع الماضي، وككل عام قضى الجميع وقتاً ممتعاً سعيداً مع العائلة والأصدقاء، وككل عام أيضاً امتلأت الشوارع بمخلفات البالونات و"قناني" المياه وفضلات الأطعمة وأعلام الوطن الملقاة على قارعة الطريق، في مشهد مريع ما عاد يحرك فينا ساكناً! وذلك على الرغم من لوائح التوعية المنتشرة في كل مكان، ففي يومين فقط أُهدر 17 مليون غالون مياه عبثاً، وفي العاصمة وحدها أزيل 34 طناً من النفايات، وذلك وفقاً لجريدة النهار... فهل هذه فكرتنا عن حب الوطن؟

هل حب الوطن يعني إهدار مائه الثمين في اللهو والعبث المؤذيين، والذي نتج عنه العديد من الإصابات؟ ولماذا لا تكتمل فرحتنا إلا بمضايقتنا للآخرين- التي تصل إلى مداهمتهم وفتح أبواب السيارات عليهم- بهذا الأسلوب الهمجي؟

Ad

لا بد من إيجاد وتنظيم أسلوب آخر للتعبير عن الفرح، يكون أكثر جمالاً وتمدناً لنرتقي بالمستوى العام: كإحياء الفعاليات الثقافية والفنية ذات الطابع الوطني وبشكل مكثف في هذه الفترة، والقيام بالأنشطة والاحتفالات التي تغني عن تلك "المسيرات"، وإن كان ولا بد، يمكننا إعادة تعريف وتنظيم تلك المسيرات بشكل متمدن بعيداً عن الأذى والتراشق بالمياه.

كذلك يلاحظ أيضاً أن كلمات الأغاني الوطنية باتت ضحلة وقيمتها الفنية جد سطحية، ولذلك نلاحظ انتشار أوبريتات السبعينيات والثمانينيات في وسائل التواصل الاجتماعي، ذلك لأن وقعها وتأثيرها أكبر على النفوس.

"وطن النهار" بقيت خالدة في أذهاننا أبداً، وذلك لصدق كلماتها وروعة أدائها، كلنا نعشق "الأوبريتات" الوطنية القديمة بموسيقاها المعزوفة من المسرح مباشرةً، وحسن تنظيم خطواتها الراقصة وسمو معانيها، فكانت لها قيمة فنية ووجدانية عالية أبقت أثرها في النفوس. أما الآن فقد استُبدل إخراج "الكوريوغرافي" بالخطوات العشوائية والقفز الفوضوي! ومع انغماسنا المؤسف في الثقافة الاستهلاكية، لم يجد البعض أفضل من التغني بأن الكويتيين "كشخة" و"ستايل"، خصوصاً في استهلاك الطعام، وأن الكويت "عسولة" وغيرها من المصطلحات الاستهلاكية والسوقية. حتى إن كان المقصد طيباً، فلا بد من حسن انتقاء الكلمات والأداء لتقديم فن راقٍ حقيقي.

حب الوطن أسمى وأعمق من أن نعبر عنه بطريقة ضارة وسطحية، حب الوطن سلوك... فلنرتقِ بالتعبير، ولتكن محبتنا بذلاً وعطاء بدلاً من تدمير خيرات هذا البلد وامتصاصها دون حسبان.