في كل فبراير منذ 1991 تتداعى الكويت بأجيالها قاطبةً للاحتفاء بأعيادها الوطنية، ويختص السادس والعشرون من فبراير بمكانة مرموقة في قلوبنا جميعاً، لأنه اليوم الرمز الذي تجتمع فيه القيم السامية لحب الأوطان وعشق التراب والأرض والذود عن العرض ونيل الحريّة بعد الأسر، والعتق بعد القهر، والظل بعد العراء، وهي حالات لم يشهدها شعب عبر التاريخ كما شهدها الشعب الكويتي في تجربته الإنسانية والوطنية الفريدة الراقدة على خصوصية أن يكون الغازي عربياً لشقيقه العربي الذي خانه بعد أن ائتمنه، وشرّده وعذبه وقطّع أوصاله بعد أن سانده، وسعى لنفيه من التاريخ وإزالته من الجغرافيا، ولكن الهجمة ارتدت إلى صدر المعتدي، إذ دحرته جحافل الحق التي ائتلفت بتحالف عالمي غير مسبوق، وكان غايتها إزهاق الباطل وآلتها القوة التي كسرت وأذابت جبروت العدوان.

لذلك كله كانت فرحتنا العارمة خلال الأيام القليلة الماضية والتي تتكرر كل عام وتُزهر فيها مشاعر الصغار بأحضان الكبار الذين قاسوا ويلات التشرد والتيه في المنافي والعذاب في الداخل.

Ad

عاش الكويتيون في يومي العيدين الماضيين طوفاناً من الفرح والابتهاج الذي تميز هذا العام بألق احتفالي وفني متوهج، واحتفاء خليجي غير مسبوق استشعرنا فيه أن قادة الخليج وشعوبه كأنهم يحتفلون بعيدهم قبل أن يكون عيدنا، حيث لامس سمو الشيخ محمد بن راشد أرواحنا وعقولنا برسالة نصية لكل فرد منا يهنئه فيها بكلمات حانية دقت أبواب قلوبنا صبيحة يومنا الوطني، وتماهت مع مشاعرنا الغامرة لتحولنا إلى جسدين بروح واحدة مع شعب الإمارات الشقيق، وصدحت قناة "إم بي سي" السعودية بسيمفونيات المحبة للشعب الكويتي وربطت بين أبناء الخليج كله وإخوانهم في الكويت الذين لن ينسوا لأشقائهم وقفتهم معهم في الفرح مثلما كانت في زمن الشدة حين "أطعموهم من جوع وآمنوهم من خوف".

تشرّفت بمشاهدة العرض الأول للفيلم الوثائقي "أُوفَيّه" الذي جسّد استشهاد واحدة من أيقونات المقاومة وفداء الأوطان وهي الشهيدة (وفاء العامر) ابنة الفنان أحمد العامر، وهي الفتاة الهادئة العنيدة التي تمرّدت روحها على الاحتلال منذ لحظاته الأولى فقدمتها قرباناً لوطنها المحتل.

وفاء العامر كان أهلها وربعها يُكَنّونها باسم "أُوفَيّه"، فصارت الكُنية عنواناً لذلك العمل الرائع الذي اختاره فريق إنتاج الفيلم بقيادة الإعلامي الكبير الأستاذ جاسم الغريب.

فيلم "أُوفَيّه" هو باكورة توثيق بطولات شهدائنا الأبرار في ملاحم مقاومة الاحتلال العراقي، واحتضنه مشكوراً مكتب الشهيد بقيادة الأخت الفاضلة فاطمة الأمير، ونأمل أن يتم تخليد ذكرى باقي شهدائنا الأبرار، رحمهم الله، الذين هم ملح الأرض وأوتادها، وهم من عمّدوا بدمائهم الزكية سفر الخلود لوطننا الغالي الذي ننعم بفيئه أحراراً اليومَ وشهداؤنا "أحياء عند ربهم يرزقون".

أتمنى أن يشاهد الجميع فيلم "أوفَيه" كعمل يستحق الإشادة لقيمته الفنية والوطنية الرفيعة، والشكر الوافر لجهود القائمين على تنفيذه فرداً فرداً.

أخيراً؛ أما آن الأوان أن ترتقي أدوات وطرق ووسائل مسيراتنا وأفراحنا الوطنية إلى ما يلامس القيمة الحضارية العالية لمفاهيم النصر والتحرير، وأن نتجاوز التراشق ببالونات الماء على وجوه وأجسام المشاركين في التجمعات إلى أساليب أكثر حضارية تتناسب والمفاهيم العالية لمحبة الأوطان؟

كل عام وأنت بخير يا وطن النهار.