من المؤكد أن المؤتمر الذي عقده الأزهر الشريف ومجلس حكماء المسلمين يومي الثلاثاء والأربعاء الماضيين في القاهرة، وشارك فيه نحو خمسين دولة وممثلون عن كل المكونات الإسلامية والمسيحية، جميعاً دون استثناء، هو من أهم المؤتمرات التي انعقدت على هذا الصعيد، فقد كان مؤتمراً "راقياً" بالفعل، وقد سادت أجواءه روح التفاهم، بحيث لم يشهد، على الإطلاق، أياً من المناكفات، التي بقيت تحدث في لقاءات ومؤتمرات كثيرة مثله، والفضل هنا يعود لـ"الإمام الأكبر" فضيلة الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، المُجمَع على اعتداله ورحابة صدره وسعة علمه، وتحلّيه بمرونة أبعدت هذا اللقاء عما بقي يسود اللقاءات العربية والإسلامية.كان الحضور من الإخوة الشيعة مميزاً، وتمثّل في عدد من الرموز الوطنية والقومية من لبنان ومن العراق ومن دول أخرى، في حين أن الحضور من الأشقاء المسيحيين قد شمل كل الطوائف، إضافة إلى رئيس أساقفة كانتربري جاستن ويلبي والرئيس والأمين العام للمجلس الوطني لكنائس الولايات المتحدة، وعدد من الشخصيات العامة كالرئيس اللبناني السابق أمين الجميل، والرئيس السوداني السابق المشير سوار الذهب، وعدد من رؤساء الحكومات السابقين الذين لهم باع طويل في هذا المجال.
لقد كان هناك إجماع على ضرورة الحيلولة دون توظيف الدين الإسلامي في النزاعات العربية والإسلامية، وعلى العمل معاً لترسيخ شراكة القيم وتفعيلها، والعمل معاً من أجل مشاركة أوسع في الحياة العامة، وأيضاً العمل معاً في مواجهة التعصب والتطرف والإرهاب، وهذا كله قد تضمنه البيان الختامي، الذي حمل عنواناً جميلاً هو: "إعلان الأزهر للعيش الإسلامي- المسيحي المشترك"، والذي شدّد على ضرورة التصدي للإرهاب الذي أساء بأفعاله الشائنة للإسلام والمسلمين والرسالات السماوية السمحة.وهنا؛ فإن ما لفت أنظار الحضور كلهم أنه كان هناك حرص، من قبل الجميع، على أن "العروبة" تجمع كل المكونات الدينية والمذهبية، وأيضاً القومية في هذه المنطقة، إذ قال غبطة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي لبطريركية أنطاكية وسائر المشرق للموارنة رئيس مجلس أساقفة كاثوليك الشرق: "إن التراجع في مبدأ العروبة قد أدى إلى كل هذا الصراع الطائفي والعرقي في هذه المنطقة العربية".ويقيناً أن الإجماع في هذا المؤتمر الذي انعقد تحت عنوان "مؤتمر الأزهر ومجلس حكماء المسلمين... الحرية والمواطنة... التنوع والتكامل"، هو على أن العروبة عامل رئيسي، وتجْمعُ كل أبناء هذه المنطقة على مختلف انتماءاتهم المذهبية والدينية، وذلك إلى حدّ أن بعض الحضور قد وصفه بأنه مؤتمر قومي عربي، أكد خلاله كبار رجال الدين المسيحيين على أن العروبة هي الرابطة التي تجمع الجميع؛ المسلمين بكل مذاهبهم، والنصارى بكل مكوناتهم الطائفية والعرقية.
أخر كلام
مؤتمر الأزهر: التنوّعُ والتكامل
03-03-2017