مثالية مفبركة
يدّعي أنه دكتور مثقف وواعٍ، يمشي متبختراً بين الناس وعند مجالس الرجال، لا ينطق إلا علماً أو سطراً قرأه ذات يوم وكرره، معروف جداً بمثاليته التي نجح حقاً في تمثيلها، لا يعرفه حقاً إلا نفسه، وحدها التي شهدت حقيقته ووجهه الذي يحرص ألا يظهره... هو فنان في إظهار عكس أخلاقه، يتكلم عن أغلب الصفات المذمومة وهو أكثر الناس تطبيقا لها! يتحدث عن الخصال الحميدة ولا يملك أبجديات تطبيقها في واقعه، كمن يؤم الناس للصلاة وهو بغير وضوء، ومثل سيئ السيرة والسلوك لمن يتكلم عن الأخلاق والشرف!هذا كائن موجود بيننا، في هذا الكون الشاسع الواسع المريب، يقطن في مكان ما معنا، يؤمن أن الخير وقتي، وأحق الناس بخيره لا يرون منه إلا شراً مستطيراً وظلماً، وأهله للأسف أكثر من يدفع ثمن مثاليته الزائفة الكاذبة، أغلب أولئك يتخفون بمسمياتهم المهنية التي يعتمدون عليها في إضمار بؤسهم الحقيقي، ويظنون أننا لا نعرف حقيقتهم لأنهم متمرسون جدا في إخفاء ملامحهم القبيحة بقناع اشتروه ذات يوم بثمن بخس يشبههم!
وعادة، فالأشياء الزهيدة تعرَف من جودتها، وتلك النفوس للأسف تخاف الناس ولا تخشى الله، تحب المديح والثناء ولا أكثر، كثيرون منهم لا يؤمنون بالحلال والحرام إنما بالعيب والفشل، يقضون حياتهم كلها ما بين مطرقة كلام الناس وسندان نظرة الناس إليهم.يبحثون عن الرضا في عيون من حولهم، يحاولون قدر المستطاع أن يلفتوا انتباه الناس حولهم، وعندما توصد الأبواب مع ذواتهم تسقط عن وجوههم تلك الأقنعة وتظهر حقيقتهم التي يعرفونها بينهم وبين أنفسهم.يمارسون كل ما يدّعون عكسه، (كل شيء) دون خوف ولا تأنيب ضمير! ومتى ما خرجوا منها، لبسوا «بشوت» المثالية وأقنعتها الواهية، هم يعرفون أنفسهم جيداً كمن يتحسس الآن وهو يقرأ بطحته التي على رأسه. لكن لابد أن تخرج من دارهم يوماً رائحة أفعالهم النتنة، رائحة أقنعتهم المزدوجة ووجوههم المزيفة، فالعادات قاهرات، ومن اعتاد شيئاً في سره فضحه في علانيته.