من السهل تقليل أهمية أوضاع التجارة العالمية في الوقت الراهن، فقد تعرضت لرياح معاكسة عاتية خلال السنوات القليلة الماضية؛ ففي سنة 2016، ولأول مرة خلال 15 سنة، كانت معدلات نموها أكثر بطئاً من معدلات الاقتصاد الدولي. كما أن الرئيس الأميركي الجديد دونالد ترامب وعد بحماية بلاده من تداعيات "المجزرة" الناجمة عن التجارة.

وفي خضم كل هذا الوضع القاتم يبدو التفاؤل في غير محله، ولكن في ميدان التصدير في آسيا تكتسب التجارة زخماً واضحاً، ففي شهر يناير الماضي ارتفعت الصادرات الصينية محسوبة على أساس سنوي لأول مرة خلال 10 أشهر، كما ازدادت شحنات كوريا الجنوبية خلال ثلاثة أشهر على التوالي. وتظهر الدراسات حدوث عمليات تصدير قوية في اليابان وسنغافورة وتايوان، وتؤكد الطلبات التي تلقاها المصنعون في آسيا الوضع الصحي الجيد للتجارة العالمية. وقد يكون من المبكر الاعلان عن التحسن المؤكد في هذا الميدان ولكن ثمة مؤشرات تبشر بهذا المسار (انظر الرسم البياني المرافق).

Ad

وقد يتمثل التفسير الأكثر بساطة لهذا التعافي في كون الطلب العالمي يرتكز الى أرضية صلبة، وصحيح أن النمو العالمي لا يزال أبطأ وتيرة من الفترات الماضية التي سبقت الأزمة المالية العالمية في سنة 2008 ولكنه يسير في الاتجاه الصحيح على أي حال، وحسب تقديرات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي سوف تتسارع عمليات الطلب والتعافي بقدر قليل في هذه السنة، كما أن المستثمرين أصبحوا أكثر اندفاعاً، وقد وصل مؤشر ام اس سي آي الذي يغطي 46 سوقاً مختلفة الى مستويات قياسية في الأسبوع الماضي.

تغيرات هيكلية

قد يكون للتغيرات الهيكلية دورها المؤثر في آسيا أيضاً، والعامل الذي تم طرحه بصورة متكررة على أنه وراء التباطؤ في التجارة العالمية خلال السنوات القليلة الماضية هو تشديد الصين لاجراءات الحد من سلاسل الامداد المعقدة، ومع حدوث المزيد من الانتاج في دولة واحدة معينة تدعو الحاجة الى زيادة الصفقات والعمليات العابرة للحدود من أجل انتاج بضائع نهائية.

وعلى الرغم من ذلك فإن هذا التعضيد ضمن الصين بدأ يتعرض الى مزيد من الاحتكاك والصدام، ولا تزال الصين تهدف الى نيل حصة أكبر من صناعات التقنية العالية ولكن الدول الأقل تطوراً في آسيا تحاول استعادة التصنيع، كما أن الأسواق الأكثر ثراء تجهد لاستعادة نصيبها في هذا الحقل، وخلال الأشهر التسعة الأخيرة من السنة الماضية تخلف أداء التصدير في الصين عن بقية دول آسيا.

وعلى الرغم من ذلك توجد أسباب وجيهة لعدم الافراط في التفاؤل، والتعافي الذي تحقق في ميدان تصدير بعض البضائع من قبل بعض الدول المنتجة مثل اندونيسيا وماليزيا كان بشكل رئيسي نتيجة الأسعار العالية بقدر أكبر للنفط والمعادن.

وعلى أي حال، كان النمو في حجم التجارة في تلك الدول أكثر بطئاً الى حد كبير، وبالنسبة إلى اقتصادات التقنية العالية في آسيا يتوقف استمرار التعافي على أذواق المستهلكين، ومن المتوقع أن تطرح سامسونغ وأبل أجهزة جديدة في هذه السنة، وقد أفرطت شركات صناعة شبه الموصلات في آسيا في توقعاتها وإذا قل الطلب عن التوقعات فإن مصدري الالكترونيات سوف يتعرضون الى أوقات صعبة من جديد.

ويبرز في الأفق أيضاً موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي دفع الى مخاوف من أن يعلن أن الصين دولة تتلاعب بالعملة وهو ما ألمح اليه خلال الأيام الأولى من دخوله البيت الأبيض، ولكن تهديداته التي أطلقها خلال حملته الانتخابية حول فرض تعرفة قاسية على المنتجات الصينية لا تزال ماثلة في الأذهان. وتجدر الاشارة الى أن حدوث حرب تجارية لن يكون موضع ترحيب في أي وقت، واذا تحقق ذلك في وقت يبتعد فيه العالم عن انكماش طويل في التجارة العالمية فإن المفارقة سوف تكون أكثر حدة وقسوة.