لدى ميلتون فريدمان العديد من الأفكار التي أختلف معه حولها، ولكن مما لا شك فيه أنه كان مؤثراً جداً في عالم الاقتصاد وقد طرح الكثير من الجوانب المهمة في هذا الحقل، كما أن سلسلة فريدمان التلفزيونية في عام 1980 بعنوان "حرية الاختيار " قدمت مزيجاً من المفاهيم الاقتصادية الأساسية والايديولوجية السياسية المؤيدة لمبادئ الحرية الى جيل كامل من الشعب الأميركي، ومع الكتب التي ألفها مثل "الرأسمالية والحرية" و"حرية الاختيار " الذي شاركته في كتابته زوجته روز أصبح ميلتون فريدمان أحد أبرز المثقفين في الولايات المتحدة، ولا يزال وجه فريدمان بالنسبة الى العديد من الأميركيين يعكس صورة الاقتصاد بجلاء. ولكن العالم تقدم كثيراً منذ سنة 1980، كما تم تنفيذ العديد من سياسات السوق الحرة التي دعا اليها ميلتون فريدمان في الماضي على الرغم من أن ذلك لم يكن بكل تأكيد بالقدر الذي كان يريده أو يتمناه، وعلى الرغم من أن البعض من رجال السياسة لا يزالون يطالبون بتحقيق مزيد من الاصلاحات التي تستلهم أفكار فريدمان توجد مؤشرات على أن البعض من المكاسب الكبيرة قد تحققت تماماً. وفي غضون ذلك، يفضل خبراء الاقتصاد في الوقت الراهن وبصورة عامة حدوث تدخل حكومي في الشؤون الاقتصادية يضاهي أو يتجاوز ما تحدث عنه فريدمان وربما بالقدر الذي تريده العامة. وهذا لا يعني على أي حال أنه كان مخطئاً بل ان ذلك ببساطة يعني أن هناك القليل ربما مما يمكن تحقيقه عن طريق الدعوة الى تبني سياسة أسواق حرة.
تغير الاقتصاديينالى ذلك، تغير خبراء الاقتصاد أيضاً، ولم يعد نوع التحليل البسيط المتعلق بالعرض والطلب الذي يتعلمه الناس في دوراتهم التدريبية حول ما يعرف بإسم " ايكون 101 " – والذي يطلق الاقتصاديون عليه " نظرية السعر " لم يعد في مقدمة التفكير الأكاديمي في ميدان الاقتصاد. والأكثرمن ذلك هو وجود نظريات معقدة بقدر أكبر الآن في هذا المسار، وهي تتطلب في أغلب الأحيان بديهة مختلفة جداً واستنتاجات مغايرة تماماً. ولعل الجانب الأكثر أهمية يتمثل في كون المبدأ الاقتصادي قد ابتعد كثيراً عن النظريات وتحول الى دراسات تجريبية. نحن في حاجة الى ميلتون فريدمان جديد في هذا العصر الجديد، وقد تغير خبراء الاقتصاد وكذلك العالم معاً ولكن النقاش العام لا يزال يعتمد الى حد كبير على أفكار ونظريات السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، كما أن العديد من الكتاب يحاولون اصلاح الوضع الراهن وتعليم العالم عن الأفكار الجديدة، ولكن شخصاً من نوعية فريدمان الأكاديمية – نال جائزة نوبل في سنة 1976 وكان مؤثراً تماماً في حقل الاقتصاد – سوف يتمتع بصدقية تفوق أي كاتب في هذا الحقل. أفكار ما بعد فريدمانمن جهة اخرى، يقوم عدد من الاقتصاديين البارزين بنشر أفكار ما بعد فريدمان، وقد أبرز المؤلف توماس بيكتي الذي اشتهر بكتابه تحت عنوان "رأس المال في القرن الواحد والعشرين" مشكلة التباين واللامساواة، كما أن جورج أكرلوف وروبرت شيلر، اللذين نالا جائزة نوبل، كتبا عدة كتب تشرح كيفية امكانية انهيار الأسواق الحرة. وكتب ريتشارد ثيلر عن السلوك الاقتصادي وشكك داني رودريك في هيمنة فكرة السوق الحرة أيضاً.ثم هناك بول كراغمان الذي حقق من خلال موقعه على الشبكة العنكبوتية وكتبه مستويات من الشعبية لم يتمتع بها أي كاتب في ميدان الاقتصاد منذ أيام فريدمان، وككاتب حائز جائزة نوبل يتمتع كراغمان بقدر من الصدق الأكاديمي الذي لا يرقى اليه أي شك، ولا يوجد منافس له في القدرة على استخدام النظرية الاقتصادية – البسيطة والمعقدة – من أجل شرح قضايا السياسة بطريقة تفهمها عامة الناس. ومثل فريدمان يجمع كراغمان بين النظرية الاقتصادية والعقيدة السياسية على الرغم من أنه كان أكثر حماسة ازاء دور الحكومة في هذا الميدان، ولم يكن تايلر كاون وهو شخصية اقتصادية اسطورية يبالغ عندما وصف كراغمان في سنة 2013 بأنه الأقرب الى نوعية ميلتون فريدمان في الوقت الراهن.الحاجة إلى المزيدولكنني أظن أننا في حاجة الى المزيد، وكراغمان شخصية رفيعة القيمة ولكن أسلوبه في التحليل يتمحور بشدة حول النظريات وقد حل الاقتصاد التجريبي في أغلب الأحيان محل الانضباط ولكن قلة نسبية من الناس في خارج نطاق هذه المهنة لديها فكرة جيدة عن النتائج التي أفضت اليها النماذج الجديدة، ومن الحد الأدنى للأجور الى الرعاية والهجرة وأشياء اخرى من هذا القبيل أحدث الاقتصاد المبني على الدليل ثورة في فهم الاقتصاديين للسياسة، ويتعين اطلاع العامة على هذا الجانب من أجل الحصول على فكرة حول ما يقوله الدليل.نحن في حاجة الى ميلتون فريدمان في الاقتصاد التجريبي، ويتعين أن يكون هذا شخص يتمتع بدرجة لا يرقى اليها شك في الأصالة الأكاديمية ولديه القدرة على شرح المفردات الاقتصادية الأكاديمية المعقدة بطريقة يمكن أن يفهمها الناس، والذي يمكن أن يجلس أمام آلة التصوير ولوحة المفاتيح ليوضح آفاق الاختبار والتجريب الى العالم كله. الاتجاهات الكبيرةأحد المرشحين الواضحين لهذا الدور هو ديفيد أوتور من معهد ماساشوستس للتقنية الذي يتمتع برصيد لافت في العمل الهادف الى توضيح الاتجاهات الكبيرة التي تؤثر على أسواق العمل والنمو، وربما كان الأفضل في ميدان التوضيح المحكم. وعلى الرغم من أنه يبدو الآن منهمكاً ومشغولاً بالبحوث فقد يأتي الوقت الذي يتحول فيه الى الظهور أمام العامة. والامكانات الاخرى تشمل شخصيات من أمثال ديفيد كارد من جامعة بيركلي في كاليفورنيا وآلان كروكر من جامعة برنستون وكلاهما حققا عملاً رائداً مشهوراً في الاقتصاد التجريبي اضافة الى درجة كبيرة من الوضوح في الأحاديث الأكاديمية والمقابلات، والمرشح الآخر هو آلان أوبراخ من بيركلي الذي يتمتع باحترام كبير في عالم الاقتصاد والذي حقق الكثير في عمل السياسة الاقتصادية.وربما لم يظهر عمل ميلتون فريدمان في الاقتصاد التجريبي بعد، وقد يكون ذلك عبر منظر مشهور قرر التحول الى مواضيع مدفوعة بقدر أكبر بالمعلومات عندما يتحدث الى العامة، وربما يكون شخصية لم تنل بعد درجة من المكانة الرفيعة في هذه المهنة. وأياً كان هذا الشخص فإن العالم في حاجة اليه الآن، وقد تحقق قدر كبير ومثير للاهتمام في ميدان الاقتصاد التجريبي بحيث إن الناس في حاجة الى سماع أشياء عن ذلك من شخص برز بجلاء في هذا الحقل.* Noah Smith
مقالات
ما يحتاج إليه الاقتصاد الأميركي اليوم
03-03-2017