التجربة الروائية الأولى التي قدمتها الزميلة منى الشمري بعد مجموعتها القصصية الناجحة "يسقط المطر... تموت الأميرة"، وهي المجموعة التي استقبلها الوسط الثقافي بحماس جميل كخطوة نحو مزيد من الأعمال الناجحة، جاءت أيضاً لتعكس مدى اهتمام الشمرى واشتغالها الدؤوب على لغة النص الروائي ومحاولة ابتكار "ثيمة" مبتكرة وغير مطروقة.

كان البحث والتحصيل المعرفي واضحين في عمل منى الشمري "لا موسيقى في الأحمدي"، واستطاعت أن تنقلنا من مدينة إلى أخرى في الكويت والسعودية وعُمان، وترسم لنا شخصياتها الذين شاءت أقدارهم أن يكونوا أبطالاً للعمل، مستعينة بلغة سلسة وعميقة جاءت مناسبة للطقوس المختلفة في الرواية. وسنناقش هنا بعض هذه الشخصيات التي شكلت النص الروائي وأدوارها، كما سنناقش التكنيك الروائي الذي أفقد هذا العمل الجميل كثيراً مما كان يمكن الانتباه له وتجاوزه.

Ad

بطلة القصة المحورية هي الفتاة "لولوة"، التي تم رفضها من أمها لتعيش صراعا حضاريا بين مدينة الأحمدي الأكثر انفتاحا وتقبلا للآخر، مدينة النفط والخروج على عادات المجتمع الشرقي المحافظ، ومدينة الفحيحيل المجاورة لها، والتي تعيش فيها أيضا أسرة "لولوة" ممثلة بالجد عضيبان الرجل المتدين خارجيا والعنصري أو الجاهلي داخليا، والذي يرفض زواج حفيدته من الشاب العماني "سيف"، الذي ولد وتعلم وأصبح كويتيا. فشل الحب الكبير الذي جمعهما تحت وطأة نزوة عابرة أقدم عليها الدكتور "سيف"، وانسحبت لولوة من المشهد وختمت الرواية معها.

كان ذلك هو الخط الرئيس للنص وتبادل خلاله العاشقان السرد بشكل أكبر من سواهما، وعن طريقهما جاءت بقية الأحداث والشخصيات. فنحن مثلا لا نعرف من أبي مشاري مباشرة حركته في الصحراء بحثا عن آثار يهربها ليبيعها للإنكليزية "ألين"، ولكن الأحداث تنقل لنا نقلا غير مباشر للسادرة التي أنابتها الروائية عنه.

يحدث ذلك لجميع الشخصيات تقريبا التي تأتي سيرتها على لسان سارد ثالث، هو في الحقيقة سارد أول في النص. هذا التكنيك الروائي الذي استخدمته منى الشمرى كان يمكن أن يكون مغامرة سردية جريئة تجرّبه الروائية، ولكنه بالتأكيد أضاع متعة نمو الحدث الروائي واستقلاليته، سواء بسارد عليم أو سارد أول، وترك الشخصية المعنية في السرد تحت رحمة شخصية أخرى.

ورغم حالة النوستالجيا والتداعي اللذين غلبا على مكونات السرد الأخرى، فقد حافظت الرواية على سمتها الجمالي، وقدمت لنا صورة بانورامية عن مدينتين لم يتناولهما السرد الكويتي في فترات مهمة من التاريخ الحديث لنشأة الدولة وبداية تغيرها الاجتماعي وتركيبها الديموغرافي.

وبالرغم من تحفظنا عن صور نمطية للبدون والفلسطينيين والبدو في العمل، وهو ما يحتاج إلى قراءة أخرى، فإن المسعف الوحيد للنص هو هذا الثراء البحثي والمعرفي والقدرة على احتواء الأمكنة التي كانت، بلا شك، نتيجة بحث مطول وعناء في التفاصيل والأسماء، سواء في صحراء نجد أو في نزوى العمانية.

"لا موسيقى في الأحمدي"، رواية تناولت الكثير من الأحداث التي لم يتطرق لها السرد الكويتي كعلاقة "ألين" الأجنبية بمهرب الآثار، والنهاية التي أدخلته بها السجن، وحياتها بين أناس تختلف عنهم ثقافيا، وقدرتها كمثال كولونيالي على دخول عالمهم والتأثير فيه.

وتشابك العلاقات بين المهاجرين الذي شكلوا بلدا لا يبدو متجانسا ويعاني حتى الآن سباقات الولاء التي ترى كل طبقة بأنها حاملة رايتها مقارنة بالأخرى. كما قدمت الرواية المكان الذي كان بطلا منفردا في أغلب السرديات بمكوناته ووعورته أحيانا، واستطاع أن يتحكم في طبيعة الشخصيات التي تعيش فيه، وكان نجاح الرواية هو تقديمه لنا كجزء من ذاكرة تاريخية تكاد تضيع دون أن نتعرف عليها.