هذا المقال الثالث لي على هذه الصفحة بعد المقالين اللذين كتبتهما يومي 4 و19 فبراير تحت عنوان "الوافدون... الدواء المر"واللذين تناولت فيهما الشعار الذي حمله المتظاهرون "لا للكراهية" في التظاهرات التي اندلعت في أميركا ضد ترامب وقراره الذي أصدره ضد الوافدين من سبع دول إسلامية، والدعوة الخاصة التي وجهها بعض أعضاء مجلس الأمة لعقد جلسة خاصة للوافدين، مع ما صاحب هذه الدعوة من تصريحات واقتراحات من بعضهم تحمل مشاعر الكراهية ضد الوافدين.

وقلت إنها نبت بغير جذور، في مجتمع الأسرة الواحدة الذي بشّر به دستور الكويت في مذكرته التفسيرية، وما تنطوي عليه هذه الحملة من مخالفة لقانون الوحدة الوطنية، وهي جريمة يعاقب عليها القانون، لأن الوحدة الوطنية في مفهومها الاجتماعي والدستوري والقانوني هي المجتمع بكل أجناسه ولغاته وأديانه وأعراقه، التي يعتبر التمييز بينها من صور التمييز المنهي عنه في نص الدستور، وعرضت لجرائم الكراهية التي بدأت تنتشر في المجتمع، وأن العمالة الهامشية في المجتمع هي بسبب نظام الكفيل الذي تحول من نظام أمني إلى نظام للاتجار بالبشر، يرتكب هذه الجريمة دون عقاب، وأتمنى لو تحمل مجلس الأمة مسؤوليته التاريخية في إصلاح هذا النظام الذي تسبب وحده في هذا الطوفان من البطالة المقنعة للعمالة الهامشية الوافدة ومخالفة قوانين الإقامة.

Ad

وفي هذا السياق طرحت السؤال الذي حمله عنوان هذا المقال لأجيب عنه، بعد استكمال عرض مشاكل العمالة الوافدة التي بدأتها في المقالين السابقين، والتي لا ذنب لهم فيها إلا السعي وراء لقمة العيش في "جنة الوافدين".

الكويت جنة الوافدين

هو عنوان لمقال نشر على صفحة التواصل الاجتماعي الخاصة بالقبس في 9/ 10/ 2014 للكاتبة بهيجة البهبهاني، ترد فيه على ما أسمته الإشاعات العربية والادعاءات العالمية عن سوء وضع العمالة الوافدة بدول مجلس التعاون الخليجي، وتستهل مقالها بسؤال بريء: إذا الكويت ظالمة للوافدين، فلماذا يحضرون أبناءهم وأحفادهم للعمل في الكويت؟

وأترك جانبا غياب بعض الحقائق عن كاتبة المقال في إجابتها عن هذا السؤال لأقول لها:

نعم يا سيدتي الكويت جنة الوافدين، وهذا هو سبب قدوم كثير من العمالة الوافدة للعمل في وظائف اعترفت الكاتبة في مقالها بأن الخليجي لا يرغب في العمل فيها، وإذا وجد السبب يا سيدتي بطل العجب، فالخطأ هنا يقع على عاتق العمالة الوطنية التي ترفض العمل في هذه الوظائف، الأمر الذي تسبب في زيادة أعداد الوافدين، مما أدى إلى الضغط على كل أنواع الخدمات، وهو ما ذكرته بالكامل في مقالها، الذي لم أضف إليه شيئا من عندي، ولكن أستميحها عذرا في أن أطرح سؤالاً في هذا السياق، قبل أن أعود إلى عنوان مقالها "الكويت جنة الوافدين".

اقتراح وجيه للدكتور البهبهاني

يرد الدكتور البهبهاني على حملة الكراهية التي انحازت إليها د. بهيجة البهبهاني حين حملت الوافدين وحدهم عزوف أبناء الخليج عن الوظائف التي كانت السبب في زيادة أعداد العمالة الوافدة، حيث يقترح الدكتور الكبير والصديق العزيز إبراهيم البهبهاني في "باب هاني" على صحفات جريدة "القبس" اقتراحا سهلا وبسيطا قبل التفكير في طرد الوافدين: "بإمكاننا الطلب من الوافدين شرط أن يشملهم الطلب جميعهم ومن كل الجنسيات ومن دون استثناء، أن يبقوا في بيوتهم لمدة أسبوع وتكون فرصة لنا لتقييم حالة الدولة وأعمالها وأنشطتها وأسواقها وشركاتها ومؤسساتها، وإذا ما تبين أن الاستغناء عنهم ليس بالأمر الصعب فسنعتبر ذلك إنجازاً وطنيا رائعا ولن ننساه أبد الدهر".

وكلمة وفاء للوافدين قبل النفط

قالها كاتب كويتي كبير، أرد بها على حقيقة غابت عن الكاتبة عندما قالت في مقالها "إن قدوم العمالة الوافدة بدأ من ظهور الثروة النفطية (فترة السبعينيات)"، يقول الكاتب الصحافي الكبير يوسف جاسم في "الجريدة" في عددها الصادر في 10/ 1/ 2017 حديثا عن الوافدين يقول فيه: آباؤنا لم يترددوا عند الحاجة للتعليم النظامي والطب الحديث في ثلاثينيات القرن الماضي بالاستعانة بالعرب والأجانب الذين تحملوا معهم شظف العيش وقسوته، وهجروا ديارهم المريحة نسبيا آنذاك، إلى أرضنا اليابسة ومياهنا المالحة، في زمن لا نفط لدينا ولا مال، ثم أضافوا بعلمهم وخبراتهم إلى جهود بناء دولتنا الحديثة بعد النفط، وكلنا يذكر المعلمين والمهندسين والأطباء والحرفيين العرب والأجانب الأوائل الذين أفنوا حياتهم في خدمة وطننا، هم وأبناؤهم وأحفادهم حتى يومنا هذا".

وأضيف إلى ما قاله ويعلمه الرعيل الأول من أبناء هذا البلد وأبناؤهم الذين درسوا على أيدي المعلمين المصريين: إن مصر كانت توفد المعلمين مع كتب الدراسة والكراريس والأقلام وكل الأدوات المدرسية معونة للكويت، إيمانا بأن الكويت هي جزء من الأمة العربية التي قلبها مصر.

نعم الكويت جنة الوافدين

وأعود إلى مقالة السيدة بهيجة البهبهاني، "الكويت جنة الوافدين" فقد كانت هذه العبارة هي الإجابة التي تلقيتها من وافد مصري قدم من أفقر محافظات الصعيد وهي سوهاج، كان يقص عليّ قصصا كثيرة عن الوافدين من قريته، الذين لم يجدوا عملاً بعد قدومهم بإقامة صورية لدى كفلاء من تجار الإقامات، حيث يشترون الإقامات بمبالغ كبيرة، يستدين بها الوافد طالب الإقامة، طمعا في ثروة سيحققها بعد قدومه إلى الكويت، وتتوالى السنوات وهو يسدد الإتاوة السنوية للكفيل لتجديد إقامته من رزق متقطع في أيام متفرقة، وعلى الأخص طائفة عمال البناء، حتى يسدد ديونه ويجني ثمار غربته ويعوضه بُعده عن أهله.

عدت أسأله: طالما أن هذا يحدث دائما لمشتري الإقامات، فلماذا لا ينصحون غيرهم بألا يقعوا في مصيدة تجار الإقامات، أجاب: لن يصدقوا أية نصيحة تقدم لهم، بل نحن الذين نشتري لهم الإقامات من الكويت ونرسلها لهم، حتى لا يسيئوا الظن بنا، بأننا لا نريد الخير لهم، لأنهم في خيالهم وتصورهم أن الكويت جنة الوافدين.

وأيقنت أننا أمام مشكلة، حلها ليس أمنيا، بل هو أمني واجتماعي واقتصادي، أن تتولى دولة الكويت، إمارة الإنسانية، استقدام هذه العمالة عن طريق هيئة القوى العاملة، وفقا لشروط وضوابط، وأن يكون تقديم طلبات العمل عن طريق الإنترنت، أو عن طريق شركة تعهد إليها بذلك (مثلما فعلت السفارات في طلبات الحصول على الفيزا، ومن يقبل طلبه يسدد تأمينا حسب طبيعة الوطيفة أو الحرفة أو المهنة ومدى حاجة سوق العمل لها، يمكن أن يصل في حده الأقصى الى 1000 دينار، وهو ما يتقاضاه تجار الإقامات الآن، على أن يرد إلى الوافد إذا غادر البلاد نهائيا في السنة الأولى لإقامته، أو لم يرغب في تجديدها، ويرد نصفه في السنة الثانية، فإذا استمر لسنة ثالثة فلا يرد له، حيث تودع هذه التأمينات في صندوق خاص لمواجهة أعباء هذه العمالة من تسفير وغيره، ومثل هذه الحل سيقلص عدد العمالة الوافدة التي لا تجد عملا مرضياً أو مناسباً، وقد لا تجد عملا على الإطلاق، وهو اقتراح يمكن أن يكون بديلا أو تصحيحا لنظام الكفيل، مع ضرورة دراسته من كل النواحي الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، على أن يبقى نظام الكفيل القانوني الحقيقي، مع تشديد العقوبات على اختراق هذا النظام الأخير.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.