ماذا فعلت بنا يا مارك؟

نشر في 06-03-2017
آخر تحديث 06-03-2017 | 00:00
 فوزية شويش السالم عنوان غريب لديوان الشاعر الطبيب المصري عيد صالح، والمقصود بالعنوان هو "مارك زوكربيرغ" مؤسس الـ"فيسبوك"، والعنوان أُخذ من قصيدة بالديوان تحمل ذات الاسم موجهة إليه.

شعر عيد صالح عبارة عن تقطير للحزن، مليء بالوحدة القاسية بعالم متوحش لا يعبأ بمن فيه، صور لمدينة تأكل ناسها بالفقر والجوع والإهمال، ولا أحد هناك يلتفت ليرمم أوجاع الناس ويضمد جراحهم.

قصائد تثقل الروح بهموم الناس وأحزانهم لدرجة أشعرتني بالاختناق، وبنقص الأكسجين من حولي، أشعار حزينة محبطة يائسة من الأوضاع والأحوال، مفتقدة الحنية وصدق دفء المشاعر الإنسانية، والديوان يعج بالشعر المرهف الحساس لعين لاقطة لأدق تفاصيل وهموم الناس، وهذا مقتطف رائع يرصد صورة القادم إلى العاصمة:

أن تكون في العاصمة

عليك أن تخلع أسمالك

وقلبك الذي قادك لمزالق ومهاوي كثيرة

وتضعها في حقيبة تحت السرير

القصيدة تنتهي بهذا المشهد اللامبالي:

لم يتخلف أحد

والذي سقط

لموه في جرائد الصباح

وانصرفوا

لنداهة غد لا يجيء

الديوان مليء بالقصائد المهمومة بالأوضاع المتردية في مصر تكشف اللصوص ومصاصي دماء وخير البلد:

افعلوا ما شئتم

تبادلوا شرب السجائر

والتسكع وسط مدينتكم المترهلة الأثداء

لم تفطمكم بعد

الشعر ليس كالرواية تكشف فقط ما يريده كاتبها منها، فهو على الأغلب من يديرها ويوجهها، أما الشعر فيعري حالة ومشاعر من يكتبه، لأنه يأتي مثل هزة أو رجفة أو زلزال، منفلتاً عن الربط والتحكم والتوجيه، لذا تكون أشعته مخترقة لأصدق انفعالات المشاعر، وهو ما أحسسته وأدركته من قراءتي لشعر عيد صالح، الذي فضح وعرى انفعالاته، واخترق أحاسيسه حتى العظم، وجاء بروحه المحبطة بهذا الثقل الممحي بانتهاء الفرح من العالم.

ثقل شجن قصائده أحالني على ثقل شجن وأحزان قصائد "السياب"، التي أيضاً تبخ أحزانها على روح ووجدان قارئها، ربما تكون تراكمات المشاكل الكبرى التي تعانيها مصر بعد ثورة 25 يناير هي من أسباب ودواعي اليأس والحزن في قصائده بسبب تردي الأوضاع فيها، هذه القصيدة تبين الوضع الملتبس لهذا المتورط بحب الحياة في زمن رفع الرايات السوداء:

"أنت متورط في حب الحياة لا محالة

دعك ممن يقفون على الشاطئ

ويرفعون الرايات السوداء أو يستلقون على صخرة

تتكسر عليها أحلامهم الراعفة

وحدة صقيع تحيط بالشاعر بالرغم من وجود جمهور وأيضاً في صورة صادمة:

وحيدا

أتحسس خطوي

في عتمة الأسئلة

عليّ أعثر على مشجب

أعلق عليه خيبتي

وأنام وحيدا مهانا

وهذا مقتطف آخر:

لنحتفي إذا بالقصيدة المحبطة

وبالشاعر المتسكع

وبالبيادق المتناثرة

دون أن يحسم الدور

في ضربة قاضية

تكثر في الديوان قصائد مهداة إلى شعراء أصدقاء للشاعر وأدباء، ومنها قصيدة موجهة "لإدوار الخراط"، نصوص عيد صالح الشعرية تصلح أن يُطلق عليها قصائد ما بعد الحزن، حين لا يبقى إلا رثاؤه:

لا شيء يقيني

أنت نفسك ربما كنت شبحا

أو لصا اقتحم حلمك

back to top