لو أن هذا الاختراق الأمني حدث في إحدى دول العالم الثالث وليس في الولايات المتحدة، التي هي أهم دولة في العالم، لكان اعتبر فضيحة كبرى، ولبقيت وسائل الإعلام تتداولها لفترة طويلة، ولربما سقطت بسببها رؤوس كبيرة وسقط النظام السياسي الذي من المفترض أن يتحمل كل صغيرة وكل كبيرة في بلده، أما في هذه الدولة العظمى، التي إن هي "تنحنحت" فإن العديد من دول الكون تطأطئ رؤوسها، فإن الأمور، كما يبدو، تمر بسهولة بل ويوصف كل حديث عن هذه المسألة بأنه كـ "مطاردة الساحرات"!

كانت تهمة الاتصال بالسفير الروسي في واشنطن من وراء ظهر الإدارة الأميركية ومسؤوليها وأجهزتها قد أسقطت مستشار الأمن القومي الجديد مايكل فلين، الذي دافع عنه دونالد ترامب، كما دافع عن وزير "عدله" جيف سيشينز، وكأنه يدافع عن نفسه، وكل هذا وقد تم الاكتفاء باستقالة هذا وذاك وكأن شيئاً لم يكن... وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرّة!

Ad

كان هذا الاختراق المزدوج قد تم في عهد إدارة باراك أوباما، ولعل ما أثار تساؤلات كثيرة بقيت تتردد حتى الآن هو كيف من الممكن يا ترى أن تخترق روسيا الاتحادية أميركا، التي تعتبر أقوى دولة في العالم، ولديها أهم مخابرات وأهم وأقوى جيش في الكرة الأرضية، وحيث إن المعروف أن الولايات المتحدة كانت هي التي تخترق الاتحاد السوفياتي وفي مفاصله الرئيسية، وإلى حد أن "سي آي إيه" كان، كما قيل في ذلك الحين الذي أصبح بعيداً، وصل إلى أعضاء أساسيين في المكاتب السياسية للعديد من أحزاب البلدان الشيوعية التي كانت توصف بأنها تتحصن وراء جدران حديدية.

والمشكلة أن هناك في الولايات المتحدة نفسها من يرى أن الاختراق الروسي وصل إلى هذا الرئيس الجديد دونالد ترامب، وأن أكبر قنبلة إعلامية كان فجرها "الديمقراطيون" ضده في ذروة المعركة الانتخابية هي الحديث عن أن المخابرات الروسية كانت قد "ضبطته" من خلال عدسات التجسس وهو في أوضاع "مخجلة"، وأنها قد استخدمت ما سجلته له من أفلام لابتزازه في أمور كثيرة حتى بعد انتقاله إلى البيت الأبيض... والعلم في هذا المجال عند الله وحده، وقد يكون كل هذا مجرد "فبركات" خصوم في ذروة أهم مواجهات انتخابية.

في كل الأحوال إن ما يجب التوقف عنده وما ستكشفه الأيام المقبلة هو ما الذي أصاب الولايات المتحدة، هذه الدولة العظمى، يا ترى حتى يصل الاختراق الأمني الروسي، كما يقال، إلى هذه المواقع الرئيسية الهامة فيها: "وزير العدل جيف سيشينز ومستشار الأمن القومي مايكل فلين"؟!

والجواب هو أن هناك من يحمل الرئيس باراك أوباما مسؤولية "تمييع" الصراع مع روسيا، والتخلي لها عن الشرق الأوسط، استناداً إلى خطأ في التقدير واعتبار أن هذه المنطقة لم تعد منطقة مصالح حيوية "استراتيجية" بالنسبة للولايات المتحدة، وهذا ما أدى إلى زوال الحواجز بين بعض كبار المسؤولين الأميركيين وبعض المسؤولين الروس حتى من منهم من له مهمات وأنشطة أمنية.