فشل التخطيط في مؤسسة البترول... «كافكو» نموذجاً
3 سنوات من الدراسة لنقل إدارة إلى شركة... فكم سنة يحتاج إنجاز المشاريع؟
يرى المتابعون للقطاع النفطي أن التخطيط الاستراتيجي بات غير مجدٍ، وهو مجرد حبر على ورق وتكاليف كبيرة تنفق على المستشارين الإداريين، لتحصل المنشآت على أكوام من الورق توضع في الأدراج، وأصبح العمل على طريقة ردود الأفعال استجابة للمعطيات والمتغيرات، ولما هو ملحّ ثم مهم، معتبرين أن استراتيجية مؤسسة البترول هي «رؤى لمستقبل غامض»، مما يفقدها المرونة.
بينما أصدرت شركة البترول الوطنية الأسبوع الماضي تعميماً تم بمقتضاه تعيين ناصر ماجد الشماع نائباً للرئيس التنفيذي لعمليات تزويد الوقود، ويكون أيضاً مديراً عاماً في الشركة الكويتية لتزويد الطائرات بالوقود «كافكو»، ومسؤولاً مباشراً أمام الرئيس التنفيذي، لم يعلق أحد على قصة شركة «كافكو»، التي تعد مثالاً للفشل بالتخطيط في «مؤسسة البترول».وفي لمحة سريعة في تاريخ الشركة الكويتية لتزويد الطائرات بالوقود «كافكو»، فهي إحدى الشركات التابعة لمؤسسة البترول الكويتية، وتنفرد بنشاط تزويد الطائرات بالوقود في دولة الكويت. وتتولى الشركة القيام بكل الخدمات المتعلقة بتزويد الطائرات بالوقود لجميع الطائرات العاملة على أرض مطار الكويت الدولي، كما تقدم الاستشارات وخدمات الدعم الفني لوزارة الدفاع.
وأسست الشركة عام 1963، كشركة كويتية مملوكة بنسبة 51 في المئة لشركة البترول الوطنية الكويتية، وبنسبة 49 في المئة لشركة البترول البريطانية المحدودة BP، ولاحقاً أصبحت «كافكو» إحدى الشركات المستقلة والتابعة لمؤسسة البترول الكويتية، ولديها رئيس تنفيذي ونواب للرئيس.لكن في الفترة الماضية بدأ التخبط الواضح في قرارات «المؤسسة»، ففي البداية تم إلغاء منصب العضو المنتدب عام 2013 ووافق مجلس إدارة مؤسسة البترول الكويتية حينها على دمج شركة «كافكو» مع شركة البترول العالمية، ويكون لها مدير العام بمنصب نائب للرئيس.وبعد ثلاث سنوات وأكثر من الدراسة، وافق مجلس إدارة مؤسسة البترول على تحويل تبعية «كافكو» إلى شركة البترول الوطنية كاملة.
أزمة تخطيط
يشير المتابعون للقطاع النفطي إلى أنشطة مؤسسة البترول خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، التي نجحت في تطبيق استراتيجيتها، وحققت نجاحات وضعتها في مقدمة الشركات النفطية الكبرى، قبل أن تتبدل الأمور في السنوات اللاحقة باتجاه متراجع للمكتسبات السابقة، وللأسف الشديد ثمة أخطاء استراتيجية أوقعت المؤسسة نفسها فيها، تعود بالدرجة الأولى إلى سوء اختيار القيادات النفطية، واختيار الرؤساء التنفيذيين، وأنه لا يمكن أن توضع استراتيجية جيدة وتنفذ من قيادات لا تمتلك القدرات والمهارات المطلوبة.لكن في المقابل، القيادات الحقيقية التي تمتلك المهارات تستطيع أن تحول الاستراتيجيات السيئة إلى جيدة وناجحة بإدخال التعديلات المناسبة بديناميكية تتوافق مع المتغيرات، التي تفرضها تلك التحديات.ولاشك أن من يطلع على تقارير ديوان المحاسبة، يرى العديد من الملاحظات، التي يتم تكرارها أكثر من 6 سنوات، دون وجود حل لها، وهو دليل على عدم قدرة بعض القيادات على حل هذه المشاكل لاسيما المتعلقة بتأخير المشاريع الرأسمالية والاستراتيجية.وبات العامل المشترك الآن في كيفية التعامل مع الاستراتيجيات الموجودة على الورق، هو وجود قيادة لا تمتلك المهارات ولا الرؤية، والعامل الآخر عدم دراسة المخاطر بجدية لكل جوانبها، ووضع سيناريوهات أكثر دقة وحساسية، لذا عند إعادة تقييم الاستراتيجيات يجب الأخذ بعين الاعتبار تقييم القيادات المناط بها تنفيذ تلك الاستراتيجيات وتغييرها.فشل التخطيط
يرى المتابعون للقطاع النفطي، أن التخطيط الاستراتيجي بات غير مجد، وهو مجرد حبر على ورق، وتكاليف كبيرة تنفق على المستشارين الإداريين، لتحصل المنشآت على أكوام من الورق توضع في الأدراج، وأصبح العمل على طريقة ردود الأفعال استجابة للمعطيات والمتغيرات، وما هو ملحّ ثم مهم، مبينين أن استراتيجية «مؤسسة البترول» هي رؤى لمستقبل غامض، مما يفقدها المرونة. وعن أسباب الفشل في التطبيق الاستراتيجيات، توصل المتابعون إلى أن 70 في المئة من الحالات، ليس فشل الاستراتيجية نفسها، بل فشل تطبيقها وتنفيذها، وأن أكبر أسباب فشل الاستراتيجيات هو عدم الاهتمام بتوفير متطلبات تطبيقها وتنفيذها كالهياكل الإدارية المناسبة والكوادر البشرية المؤهلة والماهرة والأنظمة الإدارية والمالية والتحفيزية والمعلوماتية اللازمة وأنماط الإدارة والثقافة التنظيمية المناسبة لطبيعة الاستراتيجية. ولو نظرنا إلى وضع «المؤسسة»، التي فشلت في تنفيذ الخطط الاستراتيجية، فإنها تضع خططاً استراتيجية تقوم على الفكر والإبداع والابتكار والمناورة العالية والقدرة على اكتشاف الفرص والتهديدات والمبادرة والاستجابة وغير ذلك، ثم تجدها بهياكل تقليدية وبموظفين ذوي مهارات لا تتناسب بتاتاً مع هذا النوع من المهام، إضافة إلى أنظمة بطيئة محبطة وغير محفزة وثقافة تنظيمية متباينة بشكل هائل بين القيادات، فضلاً عن الإدارة الوسطى والإدارة التنفيذية الدنيا.إلى أين نحن ذاهبون؟
أشار المتابعون إلى أن القطاع النفطي يعتزم إنفاق 34.5 مليار دينار في السنوات الخمس المقبلة لتنفيذ مشاريع تنموية عملاقة تعمل على تحقيق استراتيجية نمو للقطاع، متسائلين: إذا كان نقل شركة تابعة إلى شركة أخرى استغرق أكثر من 3 سنوات، فكم من الوقت سيستغرق إنجاز المشاريع الكبرى؟وأضافوا أن التخطيط الاستراتيجي، هو تخطيط بعيد المدى، يأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الداخلية والخارجية، ويحدد القطاعات والشرائح السوقية المستهدفة، وأسلوب المنافسة، ويجيب على سؤال «إلى أين نحن ذاهبون؟»، آخذاً بعين الاعتبار الرؤية المستقبلية للشركة، وعلاقة الارتباط والتكامل بين جوانب المنظمة والأنشطة المختلفة بها فهل يعرف القطاع إلى أين نحن ذاهبون؟ويرى الكثيرون أن أسباب فشل الاستراتيجيات يكون بسبب الاتصال غير الفعال، وهو من أهم وسائل تدمير أي مشروع، ففي منظمات الأعمال تجد نجاح الإدارة متوقفاً على فاعلية الاتصال بالآخرين، وهناك من يطور الاستراتيجيات الفعالة والناجحة، لكن سوء الاتصال والتفرد بالقرارات مع باقي الأعضاء قد يتسبب في نقص المعرفة، ومنها قد تفشل الخطة الاستراتيجية.من جهة أخرى، تشكل القيادة، محوراً مهماً ترتكز عليه مختلف النشاطات في أي مؤسسة، وفي ظل تنامي المؤسسات، وكبر حجمها وتشعب أعمالها وتشابكها، فإن كل ذلك يتطلب قيادة واعية، فالقائد هو المحرك الرئيسي، والقادر على تشجيع الموظفين على الاستمرار وسط الظروف السيئة، والقادر على أخذ القرارات الحاسمة لكل خطوة، لكن ليس الجميع لديهم مهارات القيادة. كما أن انعدام الحوافز، وهي مؤثرات خارجية، تدعم الفرد وتشجعه للقيام بأداء أفضل، ونظراً إلى أن هدف المؤسسة إنجاز المهام من خلال الآخرين، فيجب أن يكون لدى الآخرين القدرة والدافع لإنجاز تلك المهام، فالفرد في أي مؤسسة يحتاج دعماً من مديريه، سواء مادياً أو معنوياً لتزيد ثقته بنفسه وقدرته على العمل، وهنا تظهر ثماره في زيادة نواتج العمل، وجودة الإنتاج، وشعور العاملين بروح العدالة داخل المنظمة وتنمية روح التعاون، ورفع روح الولاء والانتماء، وهو ما لم يجده العاملون في القطاع النفطي عموماً، و«كافكو» خير مثال على عدم الاستقرار للعاملين، هذا إضافة إلى انتفاء العدالة بين العاملين في الشركات الأخرى، التي تعمل بجهد ووقت أكثر من «كافكو». ختاماً، التخطيط الاستراتيجي يحتاج إلى قانون لحمايته حتى يكون ملزماً لأهم مؤسسة في الدولة، وأن يكون هناك برنامج عمل يومي لنشاطها.
إعادة تقييم الاستراتيجيات توجب الأخذ بالاعتبار تقييم القيادات المنفّذة