هل هناك تعطيل للعقل في الفكر الإسلامي؟ وكيف؟ ولماذا؟

حاولت الكاتبة الجزائرية رزيقة عدناني في كتابها الذي يحمل عنوان هذه المقالة ذاته، أن تقارب هذا الموضوع الجدلي، وأن تجتهد في الإجابة عن السؤالين الأول والثاني. أما السؤال الثالث فلايزال معلقا، وربما يحتاج إلى باحثين آخرين في الأنثروبولوجي أو علم النفس الاجتماعي.

Ad

والفكر هو مجموعة من العمليات العقلية تهدف إلى إيجاد حل لمشكلة ما، وهو كذلك نشاط عقلي يتدرج من المسائل البسيطة التي تشغل الإنسان في حياته ومعاشه، إلى أكثر المسائل أهمية وتعقيدا في المجتمعات البشرية كالدين والفلسفة والعلوم، وكل ما يمت للحضارة الإنسانية بصلة.

وانطلاقا من المجتمع الإسلامي الأول، ترى الكاتبة أن أول حوافز التفكير عند المسلمين انطلقت إثر الانقلاب الجذري التي عرفته حياتهم بعد ظهور الإسلام بكل ما جاء به من قيم وعقائد وممارسات مستجدة عليهم. ولكن الحلول الفكرية لتلك المسائل كانت في متناول اليد، في وقت كان الرسول، صلى الله عليه وسلم، هو منبع ومصدر المعرفة والوحي.

بعد وفاة الرسول، صلى الله عليه وسلم، استجدت الحاجة إلى وضع فلسفة تحدد طريقة التعامل مع نصوص الكتاب والسنّة، ومن ثم تحديد حركة التشريع، «وكان ذلك أول استعمال للفكر البشري كمصدر للمعرفة والتشريع»، كما تقول الكاتبة. فظهرت في هذه الفترة اجتهادات الصحابة في تغيير بعض الأحكام بما يتناسب والظروف المستجدة، أو التغاضي عن تنفيذ أحكام أخرى لتغيّر المعطيات، والأمثلة على ذلك معروفة ومتداولة. ولم يُعتبر ما شرعه الصحابة حينذاك بدعة أو تمرداً على الدين. بل يتسع مجال الاجتهاد والرأي بظهور الأئمة ومذاهبهم المختلفة، الأمر الذي يجعل من الرأي مصدراً للمعرفة التشريعية.

بيد أن مشكلة المعرفة بين ما هو إلهي وما هو بشري تبدأ بالظهور منذ التصدي لتفسير القرآن وأحكامه، والاختلاف حول منهج هذا التفسير، والانقسام بين ما هو تفسير لظاهر الألفاظ، كما نزل بها الوحي الإلهي، وما هو تفسير لبواطنها وهو ما عرف بالتأويل، الذي هو نتاج للفكر البشري. وقد ازدادت الحاجة إلى التأويل باطراد الزمان وتغيّر الأحوال، آخذين بعين الاعتبار ما يحمله المؤولون من خلفيات ثقافية وبيئية وعلمية تؤثر في نظرتهم للنص المقدس بما يتلاءم مع زمانهم ومكانهم. ومن هنا سنكون بإزاء جملة من التأويلات المطّردة التي تتناص مع القرآن ولا تعادله في الكيفية ولا القيمة، بل تظل جهداً عقلياً وبشرياً محضاً لن يحمل صفة القداسة بأي حال. بمعنى أن نقض تلك التأويلات أو نسخها أو التحاور معها يظل أمراً مشروعاً وبدهياً.

بيد أن مسألة تأويل الأحكام الشرعية تبعا لما يستجد من ظروف، وتبعاً لمنطق العقل البشري لم تمر مروراً هيناً، وإنما ظلت جدلا دائراً ومريراً عبر العصور الإسلامية، بل لاتزال أكثر احتداماً في عصرنا الراهن. ويبدو أن الصراع بين منهج النقل ومنهج العقل قد انتهى إلى انتصار المذهب النقلي على المذهب العقلي، بعد أن مال علماء المسلمين وفلاسفتهم – مثل ابن خلدون وأبي حامد الغزالي- إلى اعتبار العقل بقوانينه المنطقية مناقضا للعقيدة التي مكانها القلب. وهكذا وقع الحكم قاسيا على العقل باعتباره عدواً للدين، وترسخ كقيمة سلبية في نفوس المسلمين، واستمرت الحال على ما هي عليه لعدة قرون.

ولكن هل تغيّر الموقف من العقل في الفكر الإسلامي الحديث؟