بينمـــــا قال الخبـــير الدستوري د. محمد الفيلي إن قانون الجنسية صمم على أن يكون الخيط والمخيط في يد السلطة التنفيذية، أكد رئيس مجلس الأمة السابق أحمد السعدون أنه لا يمكن أن تعود الجناسي ممن سحبت منهم إلا من خلال سحب الحكومة قرارات سحب الجنسية.

جاء ذلك خلال جلسة حوارية استضافها المحامي محمد منور في ديوانه أمس الاول بمنطقة صباح الناصر، تحت عنوان «الحق في الجنسية بين سيادة الدستور وسيادة السلطة»، واكد المشاركين فيها انه لا يمكن لأي قانون أن يكون خارج إطار الدستور.

Ad

بداية، قال الخبيـــــر الدستــــــوري د. محمد الفيلي إن «عزل الجنسية عن المواطنة يضر بفكرة أمن الدولة، وأقصد بالمواطنة مشروعا يتحدث عن ان يرتبط الانسان بفكرة الوطن»، مضيفا ان كل جماعة إنسانية بها هويات متعددة، فهناك هوية الانتماء العائلي والانتماء الديني والانتماء الوطني، «وإذا فشلنا في الربط بين الجنسية والمواطنة فهنا يتعرض أمن الدولة للخطر».

وأوضح د. الفيلي حين ذكر في الدستور أن سحب أو إسقاط الجنسية ينظمها القانون، «اي اننا في اطار منظومة (دستور)، بمعنى ان المشرع لا يفعل ما يشاء متى ما يشاء لأن المشرع جزء من هذه المنظومة».

واستدرك: «حينما يحيل الدستور أمرا الى القانون يترتب على ذلك ان يلزم ان يحترم هذا القانون كل مواد الدستور، أي ان يجب احترام توزيع المهام الوظيفية والاختصاصات داخل هذه المنظومة (فصل السلطات)، حينما نقول يجب احترام الاداء (القانون) فيجب لهذا الاداء ان يحترم الدستور».

واشار إلى ان قانون الجنسية صدر عام 1959، وحصل على الجنسية بناء على المادة الاولى منه من كان موجودا قبل عام 1920، واستمرت إقامته الى عام 1959، لتأتي المادة الثانية من قانون الجنسية وتنص على ان من يولد لاب كويتي.

وزاد: «عندما وضع الدستور كان هناك تطبيق غير سليم لقانون الجنسية، لانه كان يعتقد أن ابن الكويتي المتجنس يعتبر متجنسا، وابن الكويتي المؤسس يعتبر مؤسسا، اي انه لن يكون هناك كويتي بصفة أصلية إلا ابن المؤسس، وهو الامر الذي انعكس على المذكرة التفسيرية حينما فسرت المادة 82 من الدستور «بأن الاصل أن ابناء الكويتيين هم كويتيون وفق التطبيق السليم لقانون الجنسية، وهنا كأن العبارة تنطوي على نقد قانون الجنسية».

مادة معطلة

وأضاف د. الفيلي ان هذا الامر يجعل المادة الثانية من قانون الجنسية في حال عطل عن العمل، لافتا الى ان هذه المادة الاساسية لصناعة كويتيين بصفة اصلية، كون المادة الاولى تتحدث عن شريحة المؤسسين، اي انه بوفاة آخر شخص من مواليد 1959 لن يكون هناك مؤسسون.

وقال إنه في قانون الجنسية سمة تستحق النظر منذ عام 1959 واستمرت، فتم تصميم هذا القانون على ان يكون الخيط والمخيط في يد السلطة التنفيذية، ابتداء من جنسية التأسيس كون التصديق على الجنسية بقرار اداري من اللجنة العليا للجنسية، مستدرك: «اننا في حقيقة الحال امام قرار اداري».

وتابع: «كان الحل بتطبيق قانون الجنسية بسيطا عبر تفعيل المادة الثانية، الا انه تم تعديل المادة السابعة من القانون بإضافة فقرة بأن ابن الكويتي يعتبر كويتيا بصفة اصلية، لكنه عند تعديل القانون لم تتم الاشارة الى ان من تثبت له الجنسية وفق المادة السابعة لا يجوز ان تسحب جنسيته، وذلك من خلال بقاء المادة 13 بأن السحب يطول المادة السابعة، والفهم السليم للقانون يقصر السحب على الجنسية المكتسبة».

وتساءل: «هل كان ترك تعديل المادة 13 لم ينتبه اليه ام انه ترك ثغرة؟»، لافتا الى ان السحب وفق المادة 13 اقرب ما يكون الى جزاء لحالات محددة، اي انه يجب ان يكون هناك سبب لقرار السحب والسبب يثير منازعة، ومن يحكم بالمنازعة هو القاضي.

وبين انه عند وضع قانون القضاء عام 1959 منع التعرض للقرارات الادارية، وبالنظر الى المادة الثانية من قانون الجنسية فإنها ترتب الحق بالجنسية بناء على واقعة الميلاد، أي انها واقعة ليست قرارا، على عكس المادة الأولى من القانون الصادرة بقرار، والذي صدقت عليه اللجنة العليا للجنسية.

قانون «الإدارية»

ولفت د. الفيلي الى ان تعديل قانون انشاء الدائرة الادارية عام 1982 جعلها مختصة بكل قرار اداري نهائي، باستثناء الجنسية وتراخيص الصحف ودور العبادة وابعاد الاجانب، مستدركا ان قانون القضاء اشار الى انه لا ينظر في اعمال السيادة والقاضي هو من يقررها، وباعتبار انها ليس قرارات ادارية.

والمح الى انه بالنظر الى المحظورات التي نص عليها قانون الدائرة الادارية لا تصبح من اعمال السيادة بالمفهوم الفني، بدليل انها حجبت بنص القانون ولم تحجب لانها اعمال سيادة.

وتابع: «ان استبعاد الصحف من هذه المحظورات التي كان يعتقد انها ستحدث اهتزازات في المجتمع لم يحدث هذا الامر حتى يومنا هذا»، مضيفا انه بالعودة الى الدستور والى قرار المحكمة الدستورية بأن حجب اي مسألة عن القضاء مخالفة للدستور.

وأكد ان الحل في قضية الجنسية إما بالذهاب المباشر الى المحكمة الدستورية، أو عن طريق المشرع العادي لتعديل هذا القانون، «ولا اعلم لماذا لم يعدل هذا القانون من المشرع في الماضي لكنني آمل ذلك في المستقبل، علما ان التعويل على السياسيين يبقى رهانا لا يملك المتقاضون طريقا فيه، مما لا يجعل سبيلا الا فحص دستورية التشريع من قبل المحكمة الدستورية، فدولة بلا مواطنة دولة هشة».

واضاف: «بما ان الجنسية استخدمت لاهداف سياسية فيجب ان يوقف هذا الامر، واعادة الجنسية الى اطارها الحقيقي، وإلا ستظل الجنسية حجر شطرنج يستخدم وقت الحاجة، وهو خطر على امن الدولة بأن تستخدم المواطنة كحجر شطرنج».

بدوره، قال رئيس مجلس الأمة السابق أحمد السعدون «أنا لا أفزع لأحد، ولكن افزع للقانون، وقرارات سحب الجنسية من احمد الجبر وعبدالله البرغش انتهك فيها القانون»، موضحا ان قانون الجنسية كان فيه نظرة عصرية وإنسانية، حينما جعل كل «القاطنين» في الكويت مؤسسين ويستحقون الجنسية.

ابن المجنس

وبين السعدون أن المادة الثانية من قانون الجنسية هي المادة الموحدة لكل الكويتيين وهي العمود الفقري لهذا القانون، لافتاً إلى أن المذكرة الايضاحية للقانون حينما عدلت المادة السابعة للجنسية ذكرت ان ابن المجنس يكتسب الجنسية وفق المادة الثانية، دون الحاجة إلى اجراء اداري، ويكتسبها بقوة القانون.

وأضاف: «لا يجوز انتزاع الجنسية من اي انسان بسبب موقف سياسي، مبينا ان الحديث حول انفراج مسألة الجنسية «يمكن ان يمشي على اي انسان»، متسائلا: كيف ستنفرج المسألة؟

واستدرك: «ان الجناسي لا يمكن ان ترجع الا بطريق واحد، وهو ان تسحب الحكومة القرارات الصادرة بشأن سحب الجنسية».

وتابع: «لا يضحكون علينا بعودة الجنسية عبر المادة الخامسة (بالتجنس)»، مؤكدا انه غير مقبول ان تسحب جنسية وتمنح تحت اي من بنود هذه المادة الخامسة.

وشدد على أهمية صدور قانون يحفظ حق الشعب الكويتي الذي يمكن ان يتعرض لما تعرض إليه من سحبت منه الجنسية، في المستقبل، وان يتمكن من اللجوء الى القضاء، موضحا ان إعادة الجناسي حتى عبر سحب القرار الحكومة ليس مبرراً في تأخير عرض تعديلات قانون الجنسية.

ولفت السعدون إلى تعديل قانون الانتخابات «المسيء»، قائلا: «الإخوة الذين يطالبون بعدم تطبيقه بأثر رجعي، هذا كلام مأخوذ خيره، لأن الحكومة حينما ذهبت الى الفتوى والتشريع اتت الاجابة بأنه لا يجوز تطبيقه بأثر رجعي، خصوصا ان نصوصه في مواد اخرى».

وتابع: «ليس المطلوب من الحكومة ان توافق على القوانين، لكن مطلوب من المشرع ان يمارس دوره، والمشرع اعطى كل ذي حق حقه، كمبدأ فصل السلطات، وأعطى ذرية مبارك توارث الإمارة ولم يعترض عليه احد في يوم من الايام، وكذلك جاء نص المادة السادسة بأن السيادة للأمة، فاليد العليا للتشريع له، فالمراسيم بالقانون معلقة على ارادة الامة وبموافقته».

وقال السعدون: «أدعو الجميع الى مراقبة الالتزام بعرض القوانين والتصويت عليها، فعلى المرء ان يسعى وليس عليه ادراك النجاح».

القبيلة والمواطنة

أكد د. محمد الفيلي ان الشعب هو كيان متجانس يجمعه مشروع واحد، ولا يضيق بمفهوم الشعب وجود هويات اجتماعية سواء كانت منظومة عمل او مجموعة دينية او عرقية، ولكن لا تكون هي الاساس.

وأضاف: «اليوم نجد فكرة العائلة الممتدة تجمدت، لان كيان القبيلة في كان في يوم من الايام مرنا لحد ما، إذ كان بإمكان الافراد أن يدخلوا القبيلة، وقد تنشأ تحالفات قبلية، وقبيلة جديدة، لان القبيلة كانت ضرورية للحياة بالمنطقة في السابق، أما اليوم فقد فقدت مبرر وجودها كضرورة لان الدولة هي التي توفر الامن».

واوضح انه كان يمكن لأفراد القبيلة في السابق الدخول الى قبيلة اخرى، أما اليوم فقد أصبح هذا الامر مغلقا، وهنا يكون الهدف من المشروع الوطني أن يجمع الكل، ولا تصلح هذه الاطر كأساس لمشروع سياسي، لانه سيصبح مغلقا أي لا يمكن ان نصبح مواطنين، وهو الامر الذي يعاني منه تطبيق قانون الجنسية وهو وضع غير منطقي وخطر.