وصف ميخائيل غورباتشوف في خطابه أمام مؤتمر الحزب الشيوعي السابع والعشرين في الاتحاد السوفياتي في شهر فبراير عام 1986 الحرب في أفغانستان بـ"جرح الاتحاد السوفياتي النازف"، وبعد سنتين أمر غورباتشوف بانسحاب القوات السوفياتية من أفغانستان، وخلال العقود الثلاثة التي تلت، سعى القادة السوفيات والروس بعدهم إلى البقاء بعيداً عن هذا البلد الذي شبهه كثيرون بفيتنام موسكو.نظراً إلى كل هذه التطورات التاريخية، تبدو عودة روسيا إلى التدخل في أفغانستان مفاجأة كبرى، فبعد جيل من غزو جيشها هذا البلد، واحتلاله، ومن ثم الانسحاب منه، ظهرت موسكو مجدداً كلاعب مهم في أفغانستان، وقد حققت ذلك بالتقرب من طالبان، تلك القوة التي سيطرت على السلطة في ذروة حرب أهلية أطاحت بالحكومة المدعومة من السوفيات.
تنبع عودة روسيا إلى أفغانستان واستعدادها للعمل مع طالبان من فكرة أن الاحتلال الذي تقوده الولايات المتحدة يفقد فاعليته، وقد يتراجع في ظل عهد ترامب، تاركاً المنطقة الأوسع للتعاطي مع تداعيات ذلك.بغية مواجهة مخاطر الإرهاب والمخدرات، وافقت موسكو على المساهمة في تدريب الجيش الأميركي المدعوم من الولايات المتحدة وتزويده بطائرات مروحية، حتى إنها باعت الأفغانيين مروحيات سددت الولايات المتحدة كلفتها.ولكن خلال الأشهر القليلة الماضية، سعت روسيا إلى الاضطلاع بدور دبلوماسي وأمني أكثر نشاطاً، فأفادت صحيفة Sunday Times في لندن في شهر ديسمبر عام 2015 أن بوتين وزعيم طالبان آنذاك الملا أختر منصور التقيا في قاعدة عسكرية في طاجيكستان، وادعت مصادر طالبان أن موسكو عرضت أسلحة ودعماً مالياً، كذلك أشارت تقارير أخرى إلى أن ممثلين عن روسيا وطالبان يلتقون في طاجيكستان منذ عام 2013 على الأقل، وينضم إليهم موفدون من دول عدة في آسيا الوسطى.علينا تأمل عودة روسيا إلى أفغانستان ضمن إطار تدخلها المتواصل في سورية وطموحاتها الجيو-سياسية في الشرق الأوسط الكبير، وبسبب دورها في سورية تحوّلت روسيا إلى هدف لتنظيم "داعش"، الذي أنشأ خلايا له في أفغانستان أيضاً. وترمي روسيا، على ما يبدو، إلى استغلال الخصومة بين طالبان و"داعش" كي تضمن عدم تحول هذا البلد إلى مرتع آخر لـ"داعش" يهدد موسكو.بما أن الولايات المتحدة ملتزمة على ما يبدو بالانسحاب من الشرق الأوسط، تسعى روسيا إلى ملء هذا الفراغ، وخصوصاً في سورية.لا شك أن موسكو تدرك أن التدخل الذي قادته الولايات المتحدة لم ينجح في وضع أفغانستان على درب مستدام للمضي قدماً، وهذه خلاصة يشاركها فيها المفتش العام الخاص لإعادة الإعمار في أفغانستان التابع للحكومة الأميركية.تعتبر موسكو من حيث الأساس أن حركة طالبان لا تشكل خطراً يهدد مصالحها الطويلة الأمد بقدر احتمال غرق أفغانستان في الفوضى، وخصوصاً مع حكومة موالية للولايات المتحدة في كابول وقوات أميركية متمركزة في مناطق عدة حول البلد.مع عجز الحكومة الموالية لواشنطن والغرب في كابول عن استئصال طالبان أو نشر الاستقرار في أفغانستان، رأت موسكو أن الطريقة الفضلى لعزل نفسها وحلفائها في آسيا الوسطى عن مخاطر توسع رقعة هذه المشاكل تقوم على دعمها طالبان في سعيها لإطار سياسي جديد، وتأمل أن تحفّز المساعدة المالية والعسكرية هذه الحركة على التصدي للمجاهدين الدوليين الذين يعدون الخطر الفعلي، وإذا وسّعت طالبان نفوذها على حساب الحكومة الأفغانية وأدت إلى انسحاب القوات الأميركية، فهذا مكسب إضافي لموسكو.* جيفري مانكو* «ورلد بوليتيكس ريفيو»
مقالات
لمَ تعود روسيا إلى أفغانستان؟
07-03-2017