إعادة «جناسي» مواطنين تعرضوا للظلم الاجتماعي هو خبر مُفرح لأي إنسان سويّ ومنصف؛ لأنه يرفع الظلم عن مواطنين أبرياء جُردوا من مواطنتهم بعد أن أُسقطت "جناسيهم" أو سُحبت منهم أو فقدوها لأسباب سياسية لا قانونية، وهو قرار صائب أيضاً وفي الاتجاه الصحيح، لأنه سيخفف من حدة الأزمة السياسية التي أنهكت الوطن وأرهقت المواطنين، ويُمهّد الطريق نحو عملية انفراج سياسي، ولكن بشرط أن تتبعه قرارات أخرى في منتهى الأهمية وإلا بقي هذا القرار، رغم أهميته، حلاً أو بالأحرى مسكناً مؤقتاً.

أول القرارات المطلوبة بعد إعادة "الجناسي" المسحوبة بقرار حكومي هو عملية تحصين المواطنة كي لا تكون عُرضه في المستقبل للصراعات والأمزجة السياسية، فتستخدم كأداة عقاب لمن لا يقف على الدوام مصفقاً لجميع قرارات الحكومة وتصرفاتها، أو تكون مادة للمساومات والصفقات السياسية التي تُبرم من تحت الطاولة، وبعيداً عن أنظار المواطنين. وتحصين المواطنة الدستورية يتم من خلال تعديل قانون الجنسية، بحيث يتضمن نصاً صريحاً وواضحاً لا يحتمل التأويل أو اللبس على أنه لا يجوز إسقاط الجنسية أو سحبها من المواطن، فشهادة المواطنة ليست مجرد ورقة تُمنح وتُسحب حسب الظروف والأمزجة السياسية المتغيرة، بل هي حق إنساني أصيل للمواطن مُستمد من الانتماء لأرض الوطن، إذ لا يملك أي أحد حق تجريده منها مثلما ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما يجب أن ينص تعديل القانون على بسط رقابة القضاء على قرارات الحكومة المتعلقة بإسقاط الجنسية أو سحبها أو فقدها نتيجة الاتهام بالتزوير.

Ad

وما لم يتم تعديل قانوني الجنسية والمحكمة الإدارية بشكل عادل يرسخ دولة القانون والمؤسسات الدستورية، فلا أحد يضمن ألا يتكرر اتخاذ القرار الحكومي ذاته مرة أخرى، في أي لحظة من لحظات احتدام الاختلاف أو الخلاف السياسي أو تغيّر المزاج السياسي، سواء ضد من أسقطت أو سحبت "جناسيهم" في الآونة الأخيرة، أو ضد أي مواطن آخر بصرف النظر عن أصوله أو طائفته أو فئته الاجتماعية.

وبجانب تحصين المواطنة من أي استقصاد سياسي باعتبار ذلك أولوية قصوى لا تحتمل التأجيل، فإن استكمال خطوات الانفراج السياسي الذي يحتاجه الوطن والمواطنون كافة في هذه المرحلة السياسية المضطربة إقليمياً ودولياً يتطلب إصدار قانون بالعفو العام والشامل عن سجناء الرأي كافة، والملاحقين قضائياً بقضايا الرأي، مع إلغاء القوانين المُقيدة للحريات العامة لا سيما حرية الرأي والتعبير، فصاحب الرأي ليس مُجرماً كي يُسجن مهما كان رأيه مخالفاً وجارحاً، إذ يُكتفى عادة، في الدول المدنية الديمقراطية، بالإدانة القضائية أو الغرامة المالية الرمزية.